بيانات المعارضة اليوم وأيام زمان!!


من حق مجموعة حزبية أو مستقلة، ان تصدر بين حين وآخر، بيانا يتضمن رؤيتها وتقييمها الخاص للحالة السياسية او الاقتصادية. ومن حق المواطن ان يحدق ويدقق في عبارات البيان ومحتواه، فيتفق او لا يتفق معه. والدستور بوصلته في قراءة اي بيان لأية جهة. هل ينتهك هذا البيان الدستور الذي يطالب موقع البيان بتفعيله، ام لا ينتهك؟.
وليس لأحد شأن بالتغيرات التي تطرأ على احوال الفرد، فتدفعه إلى الانتقال من حالة الموالاة الى حالة المعارضة او العكس، فهذا شأنه الخاص الذي نحترمه وندافع عنه، ونحن لا نقرأ الدوافع والاهداف والغايات، فالضمائر والسرائر علمها عند ربي. ولا يوجد في العمل السياسي جمود وتمترس، كما أنه لا يوجد فيه ملائكة ولا شياطين. والناس في بلادنا تتقن التحليل والتعليل.
وتعالوا نستذكر شيئا من تراث البيانات السياسية المعارضة الجليلة، المجبولة بالسجون والتضحيات وايضا بالنضج والمسؤولية.
في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، كان النقباء المهنيون والشخصيات الوطنية الأردنية، يتداعون للاجتماع في مجمع النقابات المهنية كلما تأزمت الأوضاع السياسية وحصلت اعتقالات او ظهرت في الأفق مشاريع او تهديدات تمس القدس والمقدسات.
يجتمع القادة السياسيون المعارضون: الشيخ عبد الحميد السائح، حمد الفرحان، محمود المعايطة، إبراهيم بكر، سليمان الحديدي، إبراهيم ابو عياش، حمدي مطر، يعقوب زيادين، سالم النحاس، عوني فاخر، تيسير الزبري، جمال الشاعر، وليد عبد الهادي وآخرون.
كان عدد من الزعماء السياسيين يحضرون إلى الاجتماع وفي ايديهم «حقيبة السجن» التي فيها غياراتهم الداخلية وفراشي الاسنان وعدد الحلاقة والمناشف وعلب حبوب اسبرو.
كنت حينذاك صحافيا اغطي اخبار «المجمع» الذي كان ايقونة المعارضة السياسية الأردنية. ثم أصبحت «صائغ» بيانات مجلس المعارضة.
كنت احضر الاجتماعات وأدون وقائعها ثم أصوغ الوقائع في بيان اقرأه على الابراهيمين: ابراهيم بكر وابراهيم ابو عياش. وغالبا ما كان البيان يعتمد ويقر كما كتبته. وغالبا ما كان البيان يرسل بالفاكس إلى الصحف اليومية الثلاث، الرأي والدستور وصوت الشعب، بخط يدي!!.
حملت هذه «الحرفة» المجانية إلى مجلس النواب الثاني عشر (1993-1997) الذي كنت عضوا فيه. فأصبحت «صائغ» بيانات المجلس، الذي كان يشكل لجنة صياغة، في كل مرة يقتضي الوضع اصدار بيان. فتتكون اللجنة من النواب: عبد الله النسور وعوض خليفات وإبراهيم زيد الكيلاني وانا. كنا نجتمع لمدة 5 دقائق، ثم «يلبسونني» مهمة إعداد البيان، الذي يستغرق مني 10 دقائق على الأكثر.
ثم أصبحت صائغ البيانات الوزارية لحكومة دولة عبدالكريم الكباريتي (1996-1997) بالتعاون مع الدكتور مروان المعشر. وصائغ بيانات حكومة دولة فيصل الفايز (2003-2004) بالتعاون مع رمضان الرواشدة وماجد القطارنة.
كان للبيانات السياسية قواعد واصول وأسس وأهداف ولغة خطاب ومفردات مدروسة منتقاة، تلتزم بسقف الدستور بصرامة. رغم ان المعارضة كانت مطاردة ومحاربة ولم تكن مرخصة وليست قانونية ولا دستورية!!.
فالقاعدة، التي لا يخرقها حزب سياسي معارض او اية شخصية وطنية، وغير مسموح بخرقها لدى كل القيادات السياسية، هي ان الزعيق والفغير والسباب والانتقاص والتطاول والمفردات الصوتية القنبلية، ليست عملا سياسيا على الإطلاق. والصوت العالي لا يؤسس موقفا على رأي طيب الذكر الزعيم الوطني المبجل شاهر ابو شحوت.
كانت البيانات قطعا ادبية لكل حرف ولكل كلمة موقعها ودلالتها. كنا نكتب «سنة النكبة» ولم نكن نكتب «عام النكبة».
قال الراغب الأصفهانيّ: تطلق العرب السّنة على أياّم الشّدة والجدب، والعام على أيّام الرّخاء والعطاء.
قال تعالى: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ».
وكانت البيانات السياسية لوحات في الشجاعة والرفعة والاقتصاد في الكلمات وتفادي اية مفردة «مش لايقة». فمن واجب الحركة السياسية الأردنية ان تكون القدوة والموجه والدليل.
لن اتحدث عن جودة أو عدم جودة مضمون بيان الشخصيات الـ 25، لكن يجدر ان اسجل انه لفتني - والحقيقة هالني - التجاوز الذي في بيان الشخصيات السياسية، الذين لي فيهم احباب واصحاب.
أقول هالني التجاوز على مقام سيد البلاد جلالة الملك وعلى عرشنا صمام أمننا وأماننا.
هالني أسلوب مخاطبة الملك بصيغة المفرد. وبمفردات اتهامية غير دستورية، يعرف كاتبوها والموقعون عليها انها «مش لايقة»، وهذا اخف وصف، وغير مستساغة، خاصة من بعض من ترعرع في كنف العرش الهاشمي وفي القوات المسلحة، مدرسة الشجاعة والانضباط والخلق، حيث يستخدم منتسبوها كلمة «سيدنا» في مخاطبة الملك.
في بلدنا اعطاب وخراب. تستدعي وتستوجب إصدار البيانات السياسية والاقتصادية التي تؤشر على الخلل والزلل. وفي بلدنا إنجازات هائلة ومؤسسية وصلابة وقوة لا تدانى. ونتفق جميعا على خطورة جريمة الفساد وعلى ضعف الحكومة وارتباكها وهشاشة حضورها وربما ضرورة رحيلها. ونتفق على صعوبة ظروفنا وضغطها على عيش اهلنا. ونعاني من شح فرص العمل ومن الغلاء والغش ومن الضرائب الباهظة الثقيلة ومن الجهوية والمحسوبية وفي المقابل تتم معالجات واستدراكات وإصلاحات ومحاكمات تسهم في التخفيف من وقع الفساد والتزوير والغش والزبونية على المواطن الأردني اغلى ما يملك الاردن.
ونرى بعيوننا ان الملك لا يتوقف عن الحركة من أجل خير البلاد وحلحلة الحصار وفكفكة الاستعصاءات. وانه رعاه الله يقف شبه وحيد في الدفاع عن المقدسات الاسلامية والمسيحية وحقوق شعب فلسطين، شعب الجبارين الشقيق.
ولما زار سيدنا العراق من أجل فتح الاوتوستراد الأعرض للسلع الصناعية والزراعية الاردنية، ظلت قلوبنا واجفة واقفة، إلى أن حطت طائرته بسلام فوق ثرى الاردن.
وأول الكلام اقول كما يقول اخواننا المصريون: الملافظ سعد.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :