الصمود الأردني ما بين الحقيقة والتشكيك وصفقة القرن 3


الكاتب : اللواء المتقاعد مروان العمد

بعد ان تحدثت بالقسمين السابقين من هذه المقالة عن الصمود الاردني وحملات التشكيك التي يتعرض لها ، سأتحدث اليوم عن صفقة القرن بشكل عام وما يتعلق منها بالاردن بشكل خاص
ولقد كثُرت الروايات والتسريبات حول صفقة القرن ومن مصادر متعددة كانت تدعي انها مطلعة .

وقد تضمنت هذه الروايات اغراءات مادية بمئات ملايين الدولارت لتنفيذ مشاريع ودفع تعويضات لبعض دول المنطقة وكأن القائمين على صفقة القرن هذه يملكون امكانية ان يأمروا اي دولة في العالم ان تدفع مئات المليارات من الدولارات فتدفع وهي صاغرة .

وكما تضمنت هذه التسريبات اقتطاع اراضي من دول واعطاءها لدول اخرى مقابل تقديم تنازلات قد تمس حقوقها وكرامتها وكأن هذ الدول ليست الاجنوداً تحت امرة القائمين على هذه الصفقة ولا تملك الا ان تنفذ هذه الاوامر صاغرة من غير اخذ ردود فعل شعوبها على هذه الاجراءات بعين الاعتبار.

كما تضمنت هذه التسريبات أيحاءات بتوقيع عقوبات شديدة على اي طرف لا يتعاون في تطبيق هذه الصفقة .

ثم تعود هذه التسريبات لتشير الى ان تفاصيل صفقة القرن هذه لا تزال سرية لا يعلم بها الا خمسة اشخاص في الادارة الامريكية ، حتى ان جلالة الملك عبدالله الثاني كما تقول بعض التسريبات لم يتم اطلاعه على البنود السياسية لهذه الصفقة وان ما تم اطلاعه عليه هي بعض الجوانب الاقتصادية فقط.

وربما كانت هذه التسريبات وتعددها واختلاف رواياتها قُصد به خلق انطباعات مختلفة عنها وقياس ردود الفعل عليها وتصويرها بأكبر من حجمها حتى تكون بنودها مهما كانت غير عادلة هي اقل مما اشيع عنها لتسهيل تمريرها والقبول بها.

وقبل ان اقول ما هي صفقة القرن من وجهة نظري فلا بد ان اشير الى ان الكثير من اهدافها كان قد تم تحقيقها منذ عشرات السنين ، وكانت بداياتها في اشعال نيران الاقتتال ما بين العراق وايران ثم دفع العراق لاحتلال الكويت لجعل ذلك مبرراً لاحتلال قسماً كبيراً من العراق.

ثم تم استغلال احداث الحادي عشر من ايلول عام ٢٠٠١ في الولايات المتحدة الامريكية كمبرر لاحتلالها لافغانستان ثم اتبعتها باحتلال باقي العراق وما تبع ذلك من احداث فيه جعلت منه مركزا لتنامي الصراع المذهبي الشيعي السني ، وظهور تنظيمات الحشد الشعبي الشيعي وتنظيمات الارهاب التي تحمل راية الاسلام السني بعد ان ولدت من رحم اجهزة المخابرات الامريكية ومن داخل اقبية السجون الامريكية في العراق وبالتعاون مع ايران التي سهلت ادخال جميع عناصر تنظيم القاعدة الذين دخلوا اراضيها اثرالغزو الامريكي لافغانستان الى العراق والذين انبثق منهم بعد ذلك تنظيم الدولة الاسلامية (داعش).

وبعد ان اشتعلت شرارة الربيع العربي في عدة دول عربية وفي فترات متقاربته بهدف تطبيق سياسة الفوضى الخلاقة ثم الشرق التوسط الجديد وحولتها من دول تعيش تحت حكم انظمة فاسدة الا بلاد تعيش حمام دم نتجة الاقتتال الداخلي فيها مثل ليبيا وسورية واليمن وتركت بعضها يعيش على حافة الانزلاق بمستنقع هذه الحروب الاهلية مثل مصر وتونس وانضمت اليهما الآن كل من الجزائر والسودن والذين ندعوا الله تعالى ان يجنبهم هذا المصير . وهذا الوضع ادى الى اخراج هذه الدول من الحسبان فيما يتعلق بأخذ موافقتها على صفقة القرن . كما تم اخراج الدول الخليجية من الحسبان بعد ان تم اشغالها بالصراع العبثي في اليمن ثم ايقاع الفتنة بينها ، وأخيرا في تغيير الاولويات بالنسبة لها بحيث اصبحت ايران هي العدو الرئيسي فيما اسرائيل يمكن القبول بها والتعايش معها واكثر من ذلك فأنه سيقع على عاتقها التكفل بتغطية الكلفة المادية لصفقة القرن.

وبهذا لم يبقى في الميدان الا الشعب الفلسطيني والاردن واعتقد ان بنود صفقة القرن ستكون في معظمها متعلقاً بهما

وبالنسبة للجانب الفلسطيني وبعد انجاز الاعتراف الامريكي بالقدس عاصمة تاريخية وابدية لإسرائيل ونقل سفارتها الى القدس والإعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية والتلميح الامريكي بألاستعداد للاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على المستعمرات في الضفة الغربية واسقاطها لحل الدولتين تكون صفقة القرن قد تم تطبيق اهم بنودها ولم يبقى الا بعض الأجراءات الشكلية البسيطة يتعلق بعضها بالضفة الغربية وبعضها في قطاع غزة

وبالنسبة للضفة الغربية فأن الصفقة لن تتضمن اقامة دولة فلسطينية فيها وانما كيان اداري مكون من جزر معزولة من المدن والقرى يكون مركزه في مدينة او قرية بمحيط القدس تكون مقراً للسلطة الفلسطينية والتي عليها ادارة الشؤون اليومية لسكان هذه المناطق مع احتفاظ اسرائيل بالسيادة العسكرية على طول الحدود مع الاردن وضم المستوطنات في الضفة الغربية اليها مقابل مساعدات مالية لهذا الكيان لن تبلغ عشرة في المائة مما نشر في التسريبات عن حصتها في صفقة القرن.

وكل ذلك دون انتظار اخذ موافقة السلطة الفلسطينية على هذه الترتيبات .

وبالنسبة لقطاع غزة فسوف يكون نصيبه من الصفقة ابقائه معزولاً عن الضفة الغربية مع فتح منافذ اقتصادية له داخل سيناء مثل اقامة مشاريع فيها للكهرباء والمياة ممولة دولياً ومخصصة للقطاع ، وتسهيل دخول وخروج سكان القطاع ألى مصر والسماح لهم بممارسة نشاطات اقتصادية وصناعية في سيناء. وربما تتضمن ايضاً انشاء ميناء بحري وآخر جوي تابع لسلطة غزة في سيناء مع بقاء السيادة السياسية والامنية على هذه المشاريع والاراضي التي تقام عليها لمصر مع تخصيص مبالغ من المال لمصر ولغزة تساعدهما بتحسين أوضاعهما الاقتصادية ولكنها ستكون اقل بكثير مما ورد في التسريبات . ويمكن حينها اطلاق اسم الدولة الفلسطينية على هذا القطاع.

ويمكن ان يمتد الحل بالنسبة لقطاع غزة ليشمل عملية تبادل اراضي محدودة بحيث تُلحق بالقطاع مناطق من سيناء مقابل اراضي تعطى لمصر من صحراء النقب.

وبذلك يتم طي صفحة القضية الفلسطينية بالنسبة لمخططي صفقة القرن ولم يعد هناك الا قضية توطين اللاجئين الفلسطينين في دول الشتات . وهنا يأتي دور الاردن حسب صفقة القرن وكوطن بديل يتم توطين أعداداً كبيراً من الفلسطينين فيه وأعطائهم الجنسية الاردنية مع اعطاء الذين سوف يتم توطينهم دوراً اكبراً في ادارة شؤون البلاد وعلى اساس تشاركي مع ابناء الضفة الشرقية ومقابل مساعدات مالية للاردن تساعده في حل مشاكله الاقتصادية وتسديد ديونه واقامة مشاريع اقتصادية فيه تساعد في رفع مستوى حياة السكان وتنفيذ بعض الاصلاحات التشريعية بما يتفق مع رغبات جانب كبير من المواطنين الاردنيين . واذا لم توافق القيادة الاردنية او الشعب الاردني على ذلك فسيكون البديل اقامة الدولة الفلسطينية على اراضيه وعلى اعتبار ان معظم سكانه سيكونون من الفلسطينين.

وهذا ما استشعرته القيادة الاردنية ودفع جلالة الملك الى القول ان هناك صغوطات كبيرة تمارس على الاردن دون ان يفصح عن مضمونها في الوقت الحالى لغايات استراتيجية وتكتيكية مع اعلان رفضه لهذه الخطة من خلال قوله لا للتوطين ولا لحل الدولة الواحدة وانه لا بديل عن اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على ارضي الضفة الغربية وقطاع غزة ، و انه لا تنازل عن الرعاية الهاشمية على الاماكن المقدسة في القدس الى اي جهة أوطرف آخر . وجلالة الملك وعندما يخاطب شعبة وفي كل يوم تقريباً ويكرر موقفه هذا فأنما يريد التفاف الشعب معه كما يسعى من خلال اتصالاته الخارجية وخاصة مع دول الاتحاد الاوروبي لتدعم موقفه الرافض لهذه الصفقة وخاصة ان دول هذا الاتحاد لا تزال تدعم حل الدولتين.

وهذا يعني ان العائق الوحيد امام تطبيق صفقة القرن هو الاردن ، وهذا يفسر سر اشتداد حملات التشكيك بالموقف الاردني التي يقوم بها الذباب الالكتروني الاردني المقيم في الخارج والمتعاونين معه بالداخل الذين يزودونهم بالمعلومات ويعملون على نشر فيديوهاتهم التي تحتوي الكثير من الاكاذيب بهدف اضعاف الموقف الاردني وخلخلة صموده الى درجة ترغمه على الموافقة على هذه الصفقة مهما كانت بنودها مجحفتاً بحقه.

ولمواجهة الصغوطات التي تمارس على الاردن وللتصدي لحملات التشكيك هذه ، فأن المطلوب هو التفاف المواطنين مع القيادة والوقوف الى جوارها في خندق الصمود واغلاق كل منافذ الخلاف و اختلاف وجهات النظر ليلتحم الشعب مع القيادة في التصدي لصفقة القرن هذه واعتبار ذلك اهمية قصوى وعلى قاعدة تأجيل التناقض الفرعي في سبيل مواجة التناقض الرئيسي . وحمى الله الاردن وحفظه من كل المؤامرات وحملات التشكيك ومحاولات حل قضايا المنطقة على حسابه.

وعاش الشعب الاردني الابي البطل حامياً وحارساً لهذا الوطن . وحمى الله قائد هذا الوطن ورمزه جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :