عذراً يا رمضان ، فأمي ليست هنا !!! ..


الكاتب : عيسى العبادي

يقول محمود درويش ....

أحن إلى خبز أمي وقهوة أمي .. ولمسة أمي ..وتكبُر في الطفولة يوماً على صدر يوم وأعشق عمري لأني إذا مت أخجل من دمع أمي!

[ ... ليتني أهزم حزني ودمعي ... وأكمل قراءة القصيدة كاملة !!!... ] .


عذراً يا رمضان ، فأمي ليست هنا !!! ...

يغادرني الصباح دون أن أرى أمي ، وتغادرني الأيام ولا أراها ، وتغادرني الشهور ومن ثم السنين ، وأمي هناك عند بارئها ، ليس بيني وبينها سوى زيارة قبرها

يا إلهي .... أعطني فوق صبري صبراً ، فحياتي لا تستوعب رحيل أمي ...

ماتت أمي ، ولا جديد في حياتي ، سوى الصمت يلفني ، ويلف كل خطواتي ....

أغرف من وعاء الأيام حزناً ، وأغسله بدمعي ، وأعيد وجودها في ذاكرتي ، ودائماً تأتي ذاكرتي بيضاء تسر الناظرين من دمعي ....

كان دعاؤها " ربي أقبض أمانتك وأنا في عافيتي " ....

وماتت وهي لا تدرك ما حولها !!!....


كل الكلمات لا تواسيني في فقدِ أمي ، وكل البكاء لا يغسل رحيلها عن وجودي ، وكل الحزن لا يرثي موت أمي أبداً ....

أفقت ذات يوم من نومي
فهمت أن أمي قد خرجت من غرفة العناية المركزة ، حسب وعد الطبيب لي ، حين قال :-

سندخل أمك غرفة العناية المركزية لمدة محددة ، ومن ثم سننقلها لغرفة خاصة ....

ولكن هذه المرة قال لي

[ ... أنا أسف ولكني لا بد أن أعلمك أن أمك ماتت هذا الصباح .... أنا أسف مرة أخرى ....]

صرخت صرخة عالية ، وسقطت أرضاً .....



في البدء لم أتقبل الحياة دونك يا أمي ، وددت حين وضعتك في حفرة القبر ، أن أهرب من كل الجموع ، وأتوسد بجانبك ، كيف لي يا أماه أن أتركك هنا لوحدك ؟ ولكن من حضر دفنك يا أماه سحبني من يدي ليخرجني من المقبرة ، وكأنه قرأ أفكاري ...

في تلك الليلة يا أماه ، أتيت لك ، جلست على قبرك حتى لا تكوني وحيدة في ظلمة الليل ، أسقيت قبرك بدموعي ، وتحدثت إليك وكأنك تسمعيني ، فان ترحلي هكذا ، لا يا أماه ، لم أستوعب الحياة بدونك ، وقبل شروق الشمس ، حين سمعت نداء صلاة الفجر ، توجهت إلى المسجد القريب وصليت مع الجماعة ، وحين انتهت الصلاة وجدت مكاني مبللا بالدموع ....

ليست هناك يا أماه دموع تغسل مكانك في قلبي ، وليس هناك فرح يقترب من حزني ، وليس هناك فكر يتعدى حدود ذاكرتي بك ، أحبك يا أماه ، والشوق لك يكاد أن يحيل جسمي إلى جلد فوق عظم ، ورب محمد يا أماه إنني أحبك ومشتاق لك .....

عذراً يا شهر رمضان ... فأمي ليست هنا ، أخذها الموت ، وتركتني وحيداً ، ليس بيني وبينها سوى ذكريات لم يستطع الزمن أن يمحيها من ذاكرتي ، ماتت أمي ، وانتهت كل حكاياتي ، ولم يبق شيء بعد أمي أبكي عليه ، سوى وجودي هنا على هذه الأرض بدون أمي ....

تتسابق الأيام وكأن هناك من يلاحقها ، وبقيت أنا وحيداً أرى تراكض الأيام من حولي ، وأبحث عن نفسي التي لن أجدها وأمي ليست هنا ، كل الذكريات الجميلة معها لا تأتي بلا دمعي ، وكل الأيام من دونها كأنها ساعات ليلة شتاء باردة ، ومؤلم جداً أن أنتظر من لا يأتِي ، مؤلمة هذه الحياة حد البكاء ، ولكنها قدرة الله جل شأنه ، ودائما من نحبهم كثيراً يأتيهم الموت ليحرمنا منهم ...

ماتت أمي ، وكأنها بالأمس ودعتنا ، ليس لي من الحياة سوى ذكرها ، وليس للحياة مني سوى البكاء على رحيلها ، فلا ابتسامة أتت ، ولا فرحة تعلقت بقلبي ، حتى النوم لا أراه سوى في أحلامي لأمي

ماتت أمي ... وكان الليل الطويل ، والنهار القاسي ، وأنا بين الليل والنهار وحيداً بلا أمي ، أصارع الشروق بدمعي ، وأنتظر الغروب بدمعي ، فلا أحد بعد أمي يمسح دمعي ....

**** يا ألله ... !

أهناك حياةٌ قبل الموت؟




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :