التسويق الزراعي الداخلي، من الحجم إلى الوزن


عمانيات - بقلم: الدكتور عبدالحليم دوجان

مشكلة التسويق الزراعي، أم المشاكل، عابرة للأزمنة والحكومات، في ظل أزمات إقليمية ممتدة وعاصية وفوق القدرات أحياناً، إخفاقات هنا ونجاحات هناك، أزمة مستمرة ما بين المنتج والمستهلك، وحلقات افتراضية يصنعها المارون في الأسواق، والبحث في الحلول التقليدية تكون نتائجه أحياناً لحساب طرف على آخر.
هنا المزارع بأعلى صوته ينادي ويشكو الظلم من جراء العجز في تسويق منتجاته، ومن الخسائر المتلاحقة في ظل ارتفاع التكاليف الرأسمالية والتشغيلية للإنتاج، والإعلام أحياناً يكون غير عادل؛ فحين ترتفع أسعار المنتجات الزراعية ولو لفترة وجيزة، يتهم المزارع بأنه حاز الثراء، وفي الوقت نفسه، المستهلك متضرر عند ارتفاع سعربعض المنتجات الزراعية،علاوة على الشكوى المستمرة من أسعار المنتجات حتى وان كان المزارع غير مستفيد ، فالمزارع يدفع فاتورة انخفاض أسعار منتجاته، والمستهلك يدفع فاتورة غلاء الأسعار، إذن أين المشكلة ؟
المزارع يبيع منتجه في عبوة، يقدر وزنها ما بين عشرة كليوغرام واثني عشر كيلوغرام، بسعر منخفض أحياناً، والمستهلك يشتري الكيلو الواحد بسعر مرتفع، ولا أظن أن هنالك حلقات تسويقية متعددة تصل إلى خمس وست حلقات كما يشاع، وإنما ثلاث حلقات تسويقية في حدها الأعلى، ويقوم المزارع بعد القطاف بتسويق منتجه مباشرة في الأسواق المركزية،ومن ثم هنالك من يقوم بالدلالة أي المزاودة على بيع المنتج في الأسواق المركزية، (ومن الممكن هنا أن يتم البيع الأول لأحد المشترين، ليقوم المشتري بإعادة البيع في السوق إلى مشترٍ جديد ،وغالباً ما يكون للمستهلك مباشرة )، او يقوم تاجر التجزئة بالشراء مباشرة دون وجود وسيط غير ذلك الدلال في السوق المركزي اينما وجد،ليقوم بدوره تاجر التجزئة بعرض المنتجات الزراعية في الأسواق الشعبية أو الأسواق ذات الحجم الكبير كالمولات بسعر يفوق سعر الشراء.
من هنا تبدأ المشكلة، فالمشكلة باعتقادي ليست في المزارع أو في المستهلك ولا حتى في بائع التجزئة، الذي يسعى كالآخرين لتحقيق هامش ربح حقيقي، إنما هي بطريق البيع وطريقة العرض الناجمة عن طريقة البيع التقليدية في الأسواق المركزية، والتي تقوم على أساس الحجم وليس الوزن ، بمعنى أنها مشكلة فنية في آليات وأدوات التسويق الداخلي؛ ويمكن توضيح ذلك من خلال المثال التالي (يقوم المزارع ببيع منتجاته في عبوة من الحجم عشرة كيلوغرام بثمن اجمالي للعبوة، استناداً إلى الحجم وليس إلى الوزن،كعبوة من صنف الخيار أو البطاطا، ذات العشرة كيلوغرام، يبيعها المزارع أحياناً بدينارين مثلاً، بهذا يكون سعر الكيلوغرام عشرين قرشاً، بينما المسهتلك يشتري حاجاته بالوزن من محلات التجزئة وليس بالحجم، وعلى الاغلب يكون سعرالبيع للمستهلك اعلى بثلاثة اضعاف و اكثر لسعر بيع المزارع لمنتجة)، مع مراعاة أن هنالك نسبة تلف يتحملها بائع التجزئة، وتكون ناتجة عن طريقة التعبئة وبدون تصنيف أو تدريج لهذه المنتجات من قبل المزارع.
الحل المقترح للمشكلة، اعتقد انه يجب إعادة التفكير في طريقة البيع في الأسواق المحلية، تحقيقاً للعدالة والمنفعة لجميع الأطراف( المزارع والمستهلك وبائع التجزئة)، فالمزارع يحقق هامش ربح معقول يساعده على الاستقار والاستمرار في العملية الزراعية، ومستهلك راضي لمعدل الاسعار،وبائع ايضاً مستفيد بالحد المقبول، بسبب تلاشي الفجوة السعرية بين الاطراف الثلاثة، الناجم عن التسعير المستند على الوزن، علاوة على المزايا والمنافع في استراتجية التحول في طريقة البيع، ومنها إدخال عمليات التدريج والتصنيف للمنتجات الزراعية إلى عدة مستويات من الجودة ، لتلائم اللمستهلك على اختلاف دخولهم، وفي الوقت نفسه،يساهم هذا التحول في رفع كفاءة السوق، وشفافية عمليات البيع، وعدالة في التسعير،وتوفير المعلومات عن الأسعار لجميع المتعاملين في السوق (مشترين وبائعين)، عند ربط السعر بوزن الصنف ومستوى الجودة، ويتطلب هذا أولاً تهيئة معرفية لجميع الأطراف عن مزايا وفوائد هذا التحول،بما فيه مصلحة ومنفعة للأطراف ذات العلاقة.وحتماً يحتاج كل ذلك إلى إعادة النظر في التشريعات الناظمة لعمليات البيع، وتوفير البنية التحتية اللازمة لذلك، ابتداء من المزرعة ،ومروراً بالتدريج والتصنيف للمنتجات وللأسواق المركزية.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :