النظام العالمي الجديد ما بعد كورونا! بقلم : عوض الصقر




يبدو أن توقعات المفكرين والباحثين الإستراتيجيين الذين يعملون في مراكز دراسات وأبحاث عالمية بأن ميزان القوى العالمي سيشهد تحولات جذرية خلال مرحلة ما بعد فيروس كورونا، ستحصل بالفعل، إذ لا يمكن أن تستمر هيمنة القطب الواحد بعد أن أثبتت الولايات المتحدة اختلالا واضحا في مقدرتها على مواجهة التحديات التي فرضتها أزمة الفيروس القاتل وهو ما يعرف بـ كوفيد-19.

وبحسب هذه التوقعات من أهم ملامح التحولات المرتقبة، تراجع الدور الأمريكي كشرطي العالم وكدولة مهيمنة بقوة السلاح على الدول الأخرى، أحيانا تحت وطأة الابتزاز وأحيانا أخرى تحت وطأة التهديد والحماية، إضافة إلى تراجع دور الدولار الأمريكي كملاذ آمن في أوقات الأزمات.

ووفقا لاستطلاعات الرأي التي أجرتها مجلة فورين بوليسي الأمريكية (Foreign Policy) المتخصصة في الشؤون الدولية، مع هؤلاء المفكرين الذين يمثلون معظم دول العالم، فإن جائحة كورونا ستعجل عملية تحول السلطة والنفوذ وميزان القوى من الغرب إلى الشرق مبينين أن إستجابة الدول الأوروبية والولايات المتحدة وردة فعلها للتعامل مع الأزمة كانت بالمجمل بطيئة وعشوائية ولا تلبي طموح شعوب العالم بالرغم من إمكانات التقدم العلمي والتكنولوجي والصحي الهائل لتلك الدول.

ويستشهد هؤلاء المفكرون بردة الفعل الجيدة لكوريا الجنوبية وسنغافورة والصين في تعاملها مع لأزمة، مقارنة بردود الفعل الأوروبية والأمريكية. وما يؤكد هذه المقاربة هو أن أعداد الاصابات والوفيات في الولايات المتحدة والدول الاوروبية فاقت جميع التوقعات، حيث زاد عدد الوفيات في ايطاليا على تسعة الاف حالة واسبانيا أكثر من 4800 وفاة والولايات المتحدة نحو ألف وفاة إضافة الى عشرات الالاف من المصابين مقارنة بالصين ذات الكثافة السكانية العالية جدا وبالرغم من أنها كانت مصدر انتشار الجائحة ومع ذلك فقد كانت حصيلة الوفيات فيها بحدود ثلاثة الآف حالة فقط.

تباين هذا الوضع شوه العلامة التجارية الفارقة والمميزة لدول الغرب بما فيها الولايات المتحدة بأنها تمتلك ناصية الحداثة والتطور التقني العلمي والصحي وبالتالي فهي الأقدرعلى كبح جماح كورونا ووضع حد نهائي لتمددها الأفقي المنتشر على مستوى العالم، كما أن هذا الوضع يوحي كذلك بتراجع كبير لمفهوم العولمة ذات المنشأ الأمريكي، إضافة إلى أنه سيصب الوقود على نيران النقاش المحتدم في العالم الغربي حول استراتيجية العولمة وجدواها حيث سيرى القوميون والمناهضون للعولمة، وحتى الأمميون الليبراليون، أدلة جديدة على صحة وجهات نظرهم الرافضة لمفهوم العولمة من أساسه.

ومن ملامح مرحلة ما بعد كورونا، وفقا للمفكرين والباحثين المشار إليهم، فإن دول العالم ستركز خلال المرحلة القادمة على الشأن الداخلي والجاهزية القصوى لمعالجة أية اختلالات اقتصادية واجتماعية وصحية وستعيد النظر بكفاءة نظامها الاداري للتعامل مع ظروف العزل التي قد تفرضها حالات الطوارئ المماثلة بما في ذلك انتشار الأوبئة على نحو غير متوقع.

وبالمحصلة النهائية فإنَّ كورونا ستسرع عملية الانتقال من العولمة التي تتمحور حول الولايات المتحدة إلى العولمة التي تتمحور حول الصين. وعلى الولايات المتحدة، إذا أرادت الحفاظ على مكانتها الدولية، أن تنخرط في حوار سياسيًّ واقتصاديًّ وتجاري جدي مع الصين خاصة حول المسائل العسكرية والتجارية المتنازع عليها، علما بأن ميزان التبادل التجاري بين البلدين يميل كثيرا لصالح الصين.

بإختصار شديد فإنه في ضوء تزايد وتيرة القلق الأميركي من تنامي القوة الاقتصادية والعسكرية للصين والمنافسة التجارية الحادة، فإن جائحة كورونا قد تكون القشة التي قصمت ظهر بعير العولمة الاقتصادية ذات المنشأ الأمريكي وأنها ستركز بدلا من ذلك على العولمة ذات المنشأ الصيني، وإن غدا لناظره قريب، والله أعلم .




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :