الشماعة بقلم : د.ميرفت سرحان


سلسلة في آخر الأسبوع خاطرة
الشماعة

إذا مشيت بالشارع يومًا أو بالسوق وتأملت الناس من حولك تشعر بأن هناك شيئا مشتركا يجمع بينهم .. (ألفاظ متداولة .. طريقة لبس معينة .. قصة شعر .. اهتمامات في مجالات معينة: رياضية .. فنية .. دين وشعائر .. حتى طريقة الرد على الهاتف .. وغيرها ..)
وإذا ما حالفك الحظ وسافرت خارج البلاد في سياحة أو عمل تصبح أكثر قدرة على إدراك ذلك الاشتراك والتشابه العجيب .. بحيث أنك غالبًا ما تستطيع أن تعرف إلى أي بلد ينتمي هذا الشخص أو ذاك .. ولا تخطيء في أكثر الأحيان في تحديد هوية ابن بلدك .. ويبدو لك أن هذا الاشتراك في السمات والصفات والخصائص يعود لزمن سابق قديم ..
في ظاهرة تشير الى توارث ثقافي أو توارث مجتمعي .. أطلقت عليه الاسم الذي يستهويك .. فهو يشبه إلى حد كبير الميراث الذي ينتقل من الأجداد إلى الآباء ومنهم إلى الأحفاد ..
ومن ضمن مقتنيات هذا الميراث وأكثرها قيمة .. الشماعة .. والشماعة في اللغة العربية: هي جمع شماعات وتعني مِشْجب تعلّق عليه الملابس .. أما في لغة الحال فتعني: أننا قوم لا نخطئ وإذا لا قدر الله أخطأنا فبالتأكيد لسنا نحن سبب الخطأ ..
فإذا وقع من يديك كأس الماء فلأن فلان ترك أغراضه على الأرض فتعرقلت بها فوقع كأس الماء ..
وإذا أتعبكِ إبنكِ الصغير في تربيته فلأنه تطبع بصفات أعمامه .. فهكذا كانوا يفعلون عندما كانوا صغارا ..
وإذا ما فشلت في الامتحان فلأن الأستاذ لا يشرح المادة جيدًا أو لأن الأسئلة من خارج المقرر ..
وإذا أتعبك إبنك المراهق فلأن والدته لا تصلح للتربية الصحيحة ..
إذا ما تأخرت في الوصول إلى دوامك فإما لأن زوجتك لم توقظك باكرًا في الوقت المحدد أو لأن الطريق كان مزدحمًا ..
إذا راجعكِ مسؤولكِ في العمل بسبب تقصير مهني معين فلأن زميلتكِ قد دبرت لكِ المكائد ..
إذا وقع خلاف بينك وبين آخر فإما لأنه المخطئ في حقك أو أخطأ لأنه لم يفهم ما قصدت ..
إذا أنهيت دراستك ومر الوقت ولم تلتحق بعمل ما فذلك لأنك محسود ..
وإذا شعرت بأنك لا تسيطر على أمورك اليومية والحياتية فذلك بسبب عين مستك ..

وكما تفعل الكنوز الثمينة المتوارثة بالأشخاص من خمول وكسل اعتمادًا على وجودها .. وصولًا لزهو وغرور اعتقادًا برفعة مكانة من يمتلكها .. هكذا فعلت الشماعة بأصحابها ..
رحم الله أجدادنا فكثيرة هي الحسنات والخيرات التي أورثونا اياها .. فأضعنا الكثير منها ولم نهتم .. وأبقينا على بعض منها وخبأناها ولا نعرف أين .. إلا أن بعضها برأينا كان غالي الثمن .. فكان حرصنا شديدًا على عدم اضاعتها .. بل الاهتمام بها ورعايتها واعادة توريثها لأبناءنا وعنهم لأحفادنا .. ولأننا وكما ذكرنا مسبقًا نحن قوم تعدانا الزلل .. قدمنا لهم وعنهم لأحفادهم .. شماعةً كبيرة من الذهب ليُعلق عليها الخطأ ..




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :