الطيب بقلم د. ميرفت سرحان


سلسلة في آخر الأسبوع خاطرة
الطيب

عندما يمتلك أحدهم حديقة مليئة بالورود والأزهار من شتى الأشكال والأحجام والأنواع والألوان .. يسعى جاهدًا للمحافظة عليها والإعتناء بها .. فهو بداية يسمد التربة بالطريقة الملائمة لنمو هذه الأزهار، ويوفر لها الماء بالقدر الكافي لريها .. ويرشها بالمبيد المناسب ليتخلص من الحشرات المزعجة، ثم يقص ويقتلع الأعشاب الضارة حتى لا تؤذي الأزهار أو تشوه شكلها ..
كنت في زيارة لإحدى صديقاتي، وأثناء جلوسنا في غرفة الضيوف وتبادلنا أطراف الحديث، طرق أحد أبنائها الباب يريد منها أن تحضر له الطعام لأنه يشعر بالجوع، فصرخت في وجه الصبي ووبخته قائلة: (مش شايف أنه عندي ضيوف؟!! ما بتعرف تلف لحالك ساندوش؟!!)، ثم أغلقت الباب في وجهه .. وبعد فترة قصيرة طرق الباب ابنها الثاني، يريد ذات الطلب فما كان منها إلا أن لبته في الحال .. ما جعلني أشعر بالدهشه والاستغراب وأسألها لم تعاملت بهذا الأسلوب مع الطفل الأول؛ فقالت: (لا عادي هذا الولد طيب كتير هلا بنسى) ..
بعد هذا الموقف بعدة أيام .. كنت أتحدث مع مجموعة من الزميلات .. ثم حضرت زميلة أخرى، ترتدي ملابس جديدة، وبدأت إحدى الموجودات تسخر من لباسها وتستهزئ بلونه، مما جعل الجميع يضحك بصوت عالٍ، ويستمر بالإستهزاء من لباس الزميلة .. وبعد أن انفضت الجلسة، وذهب الجميع .. سألت الزميلة المستهزئة لم أحرجتها بهذه الطريقة؟! .. فقالت: (ولا يهمك هي طيبة كتير ما بتزعل) ..
هذه المواقف وغيرها مما صادفت، جعلتني أعتقد بأن هناك سوء فهم بين الناس لمعنى الطيبة، وسمات الشخص الطيب ..
فالشخص الطيب ليس ساذج أو بليد .. فهو يشعر بالحزن والضيق عندما يمر بوضع أو حدث مؤلم .. ويشعر بالإحراج والإنزعاج إذا تعرض لموقف نقد أو رفض، أو موقف يمس خصوصيته .. وإنما لعلمه بمدى الألم الذي تسببه المشاعر السلبية في نفسه، فتراه يحاول أن لا يعرض الآخرين لها، فلا يؤذيهم ولا يحرجهم ولا يجرحهم ولا يزعجهم، ولا يرد السوء بالسوء ..
والشخص الطيب لا يتقن فن استفزاز الآخرين ولا يتعمد إغاظتهم، بل يسعى للمحافظة على علاقة ودية معهم .. ويتحاشى الوقوع في المشاكل مع الآخرين، فهو يشعر بالراحة والسعادة في ظل عدم وجود العُقد ..
أعتقد أن الشخص الطيب هو أجمل أزهار الحديقة شكلًا ولونًا ورائحة .. لذا فهو بحاجة لمن يرعاه ويهتم به .. وأن لا ينمو في حديقة صاحبها جاهل؛ لا يدرك قيمة ما يمتلك .. فيقتلعه من جذوره ظنًا منه أنه عشب ضار وليس أجمل الأزهار ..
أرجوكم لا تعاقبوا الطيبة ولا ترهقوا الطيب .. حتى لا يأتي ذلك اليوم الذي يمقت فيه طيبته ويكره شخصيته بل وربما حياته .. فنخسر المزيد مما تبقى لنا من جمال من حولنا .. ونصبح كصاحب الحديقة الذي لا يميز .. فيصدق عليه قول المثل: "الجاهل عدو نفسه، فكيف يكون صديقًا لغيره ؟!"




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :