بتلكك" بقلم الدكتورة ميرفت سرحان



كنت في زيارة لمنزل احدى السيدات التي تعرفت عليها منذ فترة .. وقد كانت تحضر لتزويج ابنها .. وبعد أن استأجروا القاعة، وأنهوا ترتيبات الفرح .. بدأت السيدة تدعو الأقارب والمعارف والأصدقاء لحفل الزفاف .. بعضهم كانت ترسل له بطاقة الدعوة، والبعض الآخر تتصل به هاتفيًا .. وصدف أثناء زيارتي لها حضور احدى قريباتها دون موعد مسبق .. وأثناء الحديث قررت السيدة دعوة قريبتها لحضور الحفل .. ودار بينهما الحوار التالي:
السيدة: "يوم الأربعاء بعد الجاي عرس ابني خالد .. بتتفضلي أنت وبناتك" ..
القريبة: "ريته ألف مبروك يا ام خالد بس زي ما بتعرفي انا بطلعش كتير من البيت" ..
السيدة: "على راحتك .. عاد انا حابة تيجي" ..
القريبة: "والله لأحاول .. بشوف اذا حدا من هالاولاد رضي يوصلني" ..
السيدة: "شوفي شو بصير معك .. ها حاولي .. عاد مش عازمة إلا القرايب القرايب" ..
القريبة: "لعاد بلاش نغلبكوا" ..
السيدة: "ما في غلبة .. ها شو رح تيجي ولا صعب عليك؟! .." ..
القريبة: "قلتلك يا خيتي بدي اشوف حدا من هالاولاد يوصلني .." ..
السيدة: "اه مزبوط قلت بس عاد أنا عشان العجقة زي ما بتعرفي .. عقبال عند ولادك .." ..
القريبة: "الله يهنيك يختي ويتمملكم على خير" ..
السيدة: "ها بتيجي .. مش ما تيجي!" ..

كنت أستمع لحوار الفاضلتين .. وأراقب نظراتيهما وحركاتيهما .. وكأنما السيدة "تتلكك" لقريبتها، ولسان حالها يقول: أرجوكي اعتذري مني ولا تحضري ..

ذكرني هذا الحوار .. بحالة لشاب التقيت به مؤخرا ودار بيني وبينه حديث حول خطبته لفتاة كانت قد شاركته الإعجاب لسنوات .. وبعد فترة من الخطبة .. وحيث أن حالته الإقتصادية جيدة .. وجهز شقتة .. أراد أن يتمم إجراءات الزواج .. قال لي: أنا أحبها كثيرًا .. وكلما طلبت أمرًا لبيتها .. وإذا أرادت شيئًا اشتريته لها .. ولكن، كلما فاتحتها بموضوع الزواج، ورغبتي بإنهاء الترتيبات، تقول لي مرة: لننتظر فصل الصيف حتى يتسنى لنا أن نسافر .. ومرة تقول: لننتظر تخرج أختي من الجامعة حتى تساعدني في إجراءات الفرح .. ومرة أخرى: لننتظر حتى يعود عمي من الخليج فهو في مقام والدي وأرغب أن يكون إلى جانبي في مثل هذا اليوم .. وهكذا؛ حجة تلو حجة .. وأنا لست أعرف ما الذي تريده حتى أنفذه، وما الذي يرضيها حتى أقوم به ..
وكأنما حال الفتاة يهدف إلى تعطيل سير الفرح لا إتمامه ..
قد يمر في حياتك أشخاص تحبهم .. وتعتني بهم .. وتهتم لأمرهم .. وتداوم السؤال عن أحوالهم .. ولكنهم قد لا يكتفون بكل ما تقدم لهم، ويطمحون بالمزيد الذي لا تقدر عليه .. أو أنهم اعتادوا أن تقدم أنت ويأخذوا هم، فلم يعد لما تقدمه أي قيمة بالنسبة لهم .. أو أنهم لا يبادلونك الحب بالحب ..
في الحقيقة .. يوصف حالهم، بأنهم "يتلككون" لتعطيل سير الود بينك وبينهم .. وأنك مهما فعلت معهم ولهم لن يرضيهم ..
لذلك .. أعتقد أن عليك أن تتوقف عن بذل أي جهد في سبيل إرضائهم .. وإن رحلوا لا تتبع أثرهم .. وإن نسوك لا تذكرهم بك ..
إياك أن تتودد لمن "يتلكك" لك .. لأنك إن فعلت؛ سيزداد قسوة عليك .. وتزداد أنت هوانا عليه .. وإن هُنت على أحدهم، أو كان وجودك وعدمه في حياته سواء .. فأعلم أن دوام علاقتك به خسارة لك أنت ليس له، لأنك ببساطة لن تتحمل ألم إهماله لك ..

وأستشهد هنا بهذه الأبيات للشافعي ..
يقول فيها:

إِذا المَـرءُ لا يَـرعـاكَ إِلّا تَـكَلُّفاً
فَـدَعـهُ وَلا تُـكـثِـر عَـلَيـهِ التَـأَسُّفا

فَفي الناسِ أَبدالٌ وَفي التَركِ راحَةٌ
وَفـي القَـلبِ صَـبـرٌ لِلحَبيبِ وَلَو جَفا

فَــمـا كُـلُّ مَـن تَهـواهُ يَهـواكَ قَـلبُهُ
وَلا كُـلُّ مَـن صـافَـيـتَهُ لَكَ قَـد صَـفـا

إِذا لَم يَـكُـن صَـفـوُ الوِدادِ طَـبـيعَةً
فَــلا خَــيـرَ فـي وِدٍّ يَـجـيـئُ تَـكَـلُّفـا




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :