الحلم بقلم: د. ميرفت سرحان


سلسلة في أخر الأسبوع خاطرة
الحلم

مرَّ وقت طويل على تخرجه من الجامعة، وما زال يبحث عن عمل جيد .. يلبي طموحه، ويوفر له عيشًا كريمًا، ومكانة اجتماعية جيدة، ويمكنه من الزواج بفتاة أحلامه التي ارتبط بها منذ فترة ..
وفي صباح أحد الأيام .. هاتفه زميل دراسة قديم ليخبره عن وجود شاغر مميز جدًا، في واحدة من المؤسسات العريقة على مستوى العالم .. ووعده بأنه سوف يزكيه ليحظى بهذا الشاغر .. وكل المطلوب منه أن يسلم أوراقه، وأن ينتبه لأن غدًا هو آخر أيام التقديم لهذا الشاغر .. اختلطت مشاعر الشاب بين فرح وشغف، وزهو وفخر بالشاغر حتى قبل الوصول له .. وبين قلق وخوف وشيء من الرعب بأن لا يصل له .. أمضى الشاب يومه على هذا الحال: مرة يسكت ويسكن ويسرح ولا يسمع من يتحدث معه، ولا حتى يلتفت له .. ومرة يتعصب ويغضب لأتفه الأسباب، لمجرد كلمة أو نظرة .. وفي نهاية النهار أخرج أفضل ملابسه .. قام بكيها وتحضيرها، ونسق لها حذاء مناسبًا .. ومن شدة الارهاق .. استلقى على السرير ودون أن يغيِّر ملابسه .. أغمض عينيه وهو يفكر متى سوف يستيقظ من النوم .. ليرتب وقته بالشكل الصحيح: فعليه الاستحمام، وحلق لحيته، وتصفيف شعره، وارتداء ملابسه، وتناول وجبة خفيفة حتى تزيد من تركيزه (فلابد أن يعرف عن نفسه بطريقة منظمة ومنسقة، وأسلوب شيق حتى يبهر اللجنة ويحظى بالشاغر) .. ثم عليه أن يحسب وقت الوصول جيدًا فسوف يخسر إن تأخر .. وفي أثناء هذا الكم الهائل من الأفكار غط في نوم عميق .. وزاره حلم حلو أطلعه على خبر جميل .. ومع أن وقائعه كانت متداخلة، وشخوصه كثيره، وأماكنه متعددة، وأحداثه متسارعة؛ إلا أنه أشعره بسعادة غامرة .. وأثناء استغراقه في هذا الحلم .. فتح عينيه ونظر للساعة فإذا بها تخبره أنه بالكاد سوف يصل للموعد بالوقت المحدد .. قفز من على سريره بشكل سريع .. اتجه للخزانة .. ثم إلى الحمام .. ثم باب المنزل .. عاد للمطبخ .. ثم الحمام .. لغرفة النوم .. وهكذا ظل يتخبط ذهابًا وإيابا دون هدف واضح لفترة .. إلى أن استجمع وعيه .. ورتب نفسه .. وفي خضم محاولته لإدراك الموعد، أخذ طيف خبر الحلم الجميل يمر أمامه، دون أن يفصح له عن نفسه .. فبدأ يبذل جهدًا مضاعفًا، يريد تارة أن يتذكر الخبر، ومن ناحية أخرى يحاول إدراك الموعد .. وعاد يسير بنصف يقظة .. وبعض من إدراك .. وتبعثر سلوك .. وتناثر مشاعر .. وكاد يضيع في منتصف الطريق .. فلا تذكر الخبر ولا لحق بالموعد ..
هنا كان يتوجب عليه أن يتخذ القرار بأن يتوقف في الحال، ويلملم شتات نفسه .. فإما أن يجري للخلف وراء خبر الحلم .. أو أن يسير قدمًا لإدراك الموعد ..
قد تواجهك أثناء مسيرك نحو الهدف مواضيع معينة، أو ظروف طارئة .. قد تكون بإرادتك أو رغمًا عنك .. وقد تكون حلوة جميلة، وربما تكون مؤلمة .. وقد تكون بدايتها بديعة، بهية إلا أن نهايتها قاسية، موجعة؛ أو العكس .. والملفت أن حدوثها في حياتك قد يتكرر، وبأشكال مختلفة وأساليب متنوعة .. سوف تعترض طريقك وتعيق مسيرك نحو الهدف أو على الأقل تؤخره .. ومع ذلك، يبدو أنه عليك أن تحيا تفاصيل حلمك .. فمن الصعب عليك تجاوزه، لأنه سوف يتملكك ولن يغادرك بسهولة .. لذا، عش فرح الخبر .. وشغف الوصول .. وخوف الخسارة ..
ولكن، عندما تستيقظ .. انتبه جيدًا، فالحلم قد انتهى .. فإذا ما شعرت بالشوق لأن تستذكره .. والحنين لأن تتحسس ما يحمل في طياته .. عندها عليك أن تسارع في أن تحزم أمتعتك، وتعزم أمرك .. وتعاود الجري نحو الهدف، فهو الواقع الملموس، والحقيقة المؤكدة .. وحتى يستحق منك هدفك الجري نحوه، لا بد أن تختاره بعناية واهتمام .. فكلما كان هدفك أرقى وأوضح، أعانك على تجاوز الحلم .. لأنه سيجعلك تدرك أنه في نهاية الأمر سيبقى حلمًا حتى لو كان في غاية الجمال .. وسيبقى حلمًا حتى وإن طال ..
وإذ أردت رأيي .. فالله منتهى الغاية .. ورضاه أسمى الأهداف .. وما سواه ما هو إلا طيف أحلام .. أو سير نحو سراب ..
يقول ربي تبارك وتعالى: " .. وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ..". (طه ٨٤).




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :