سامح وأمه بقلم:د. ميرفت سرحان


سلسلة في أخر الأسبوع خاطرة
سامح وأمه

أم سامح طباخة ماهرة .. عرفت بين نساء الحي بوصفاتها الشهية وأطباقها اللذيذة .. إلا أن أكثر وصفاتها شهرة، هي المعجنات .. فقد ذاع صيتها بين أفراد الحي بمدى إتقانها لصنع العجينة؛ فعجينتها: لزجة قليلًا (رطبة، وطرية)، مستوى السكر والملح فيها مضبوط تمامًا .. ومقدار الماء فيها بالمعيار الصحيح الذي يجعلها متماسكة على الرغم من رخاوتها ..
إلا أن فرط اهتمام أم سامح بمطبخها وشدة إعجابها بإنتاجها؛ جعل نساء الحي يبالغن في مدح أكلاتها الطيبة وحلوياتها المنعشة ..
وهذا جعل أم سامح تعمل ليلًا ونهارًا، وتبذل مجهودًا مضاعفًا .. وتقصر في القيام بمهامها اليومية .. وأداء واجباتها تجاه نفسها وزوجها وأولادها وبيتها .. ولكن؛ ذلك لم يكن لتحافظ على مستوى إنتاج مطبخها .. وإنما لتحافظ على مستوى المديح الذي تتلقاه، وعلى أمل أن يزيد ..
أما سامح فقد ولد بملامح طفولية .. وميزات جميلة: وجهه سمح ..ونظراته بريئة .. صوته هادئ .. وتعبيراته دافئة .. وقد ربته والدته على صفات وخصائص تشبه شكله .. فقد علمته أن يكون متسامحًا عندما يتعرض للأذى من الآخرين، ولا يراجعهم عما بدر منهم حتى يحافظ على مكانته بينهم .. هادئا إذا واجه إساءة من الناس، لتبقى صورة الشخص الشهم ملتصقة به .. لطيفًا إذا عانى من ظلم البشر، ولا يبذل جهدًا لاسترداد حقه، حتى لا يعرض نفسه للخطر .. وحذرته بأن لا يبدي امتعاضه لمن يسخر منه حتى لا يخسره .. وأن يسارع في تنفيذ ما يطلبه منه الآخرون دون تفكير أو تذمر، حتى يقال أنه خدوم ويحب مساعدة الآخرين .. وأوهمته بحصافة رأيها وصواب مشورتها؛ فقالت له: عليك أن تكون ودودًا مع الناس يا بني؛ "كل واحد عنده الي مكفيه، وكمان خلي دايما صورتك حلوة وذكرك بين الناس طيب يما" ..
أرادت أم سامح لابنها حياة تشبه العجينة التي تتقن صنعها .. لم يتذوقها شخص إلا امتدح طعمها الشهي وأثنى على رائحتها الزكية .. فخبزت لابنها شخصية لزجة، تتبع آراء الآخرين بها .. طرية تتشكل حسب ردود أفعال الآخرين تجاهها .. فأصبح ضئيلا، لا فرق بين وجوده وغيابه .. ضعيفًا، لا يبادر لعمل أو يقدم عليه إلا إذا استشعر رضا الآخرين عنه .. مهزومًا لا يستطيع الدفاع عن حقه الذي سلب منه ..
ربما كان على أم سامح أن تتقن فن صنع حلوى السمسمية (حلوى صلبة ومتماسكة) .. كان يتوجب عليها أن تساعد ابنها على تشكيل شخصية صلبة، مصدر قوتها ذاتي، ينبع من ثقتها بنفسها .. شخصية متماسكة، ردود فعلها تجاه الآخرين والمواقف تنبع من قناعة داخلية لفكر حر .. شخصية تستمد طاقتها من حبها لنفسها ..
ربما كان على أم سامح أن تعلم سامح، أن العفو عن الآخرين يكون عند المقدرة .. وليس لقلة حيلة .. وأن كظم الغيظ يلزمه أن تكون قويًا .. لا أن تكون مجبورًا ..
شتان، شتان .. بين العجينة والسمسمية .. فالتاء المربوطة في نهايتهما هي مصدر الشبه الوحيد بينهما .. وشتان، شتان بين صفح المضطر وصفح المخير .. فرضا الآخرين هو مصدر الشبه الوحيد بينهما ..
يقول الإمام علي كرم الله وجهه ورضي عنه:
"إذا وضعت أحدًا فوق قدره، فتوقع منه أن يضعك دون قدرك" ..




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :