تجوية القيم بقلم:د.ميرفت سرحان


سلسلة في أخر الأسبوع خاطرة
تجوية القيم

على مدار العام .. وبفعل بعض العوامل الكيميائية أو البيولوجية، وغيرها .. يحدث ما يسمى بالتجوية؛ وهي عملية تفتت للصخور والتربة والمعادن .. ثم تنتقل القطع المكسورة منها من خلال الرياح والمطر بعيدًا .. في واحدة من أنواع التجوية ينزلق الماء بين مسامات الصخور ويتجمد داخلها، فيتوسع الصخر، مما يشكل ضغطًا كبيرًا عليه .. وهذا الضغط يعمل على تفتت الصخر ..
دق جرس الساعة الثامنة والنصف .. نهضت من سريرها مسرعة .. توجهت إلى غرفته .. ونادت بصوت عالٍ هيا انهض يا محمد! .. باقي نصف ساعة على موعد الامتحان .. اغسل وجهك، وحضر كتابك، وشغل (اللاب توب) .. وسأحضر في الحال .. نفذ محمد ما طلبته أمه .. وبدأ الامتحان .. جلست أمه إلى جانبه .. وأخذ يقرأ الأسئلة الواحد تلو الآخر .. قالت الأم بصوت خافت: ركز يا بني واقرأ السؤال الأول وأجب عنه ثم الثاني، وهكذا .. قرأ الولد السؤال الأول .. هي يا بني جاوب .. ام ام ام قال الولد، وتابع الشمس تدور حول القمر، ام ام حول الأرض، لا الأرض تدور حول الشمس، ام ام .. نظرت له أمه وحركت شفتيها بلهجة غاضبة .. قال الولد: ام ام الأرض الأرض ام ام، الشمس .. نطقت الأم بصوت خافت: الأرض ماذا يا محمد هيا تذكر .. ام ام قال الولد، بدأ صوت الأم يرتفع: هيا يا محمد قبل أن ينتهي الوقت، الأرض تدور حول الشمس .. السؤال الثاني: ما هذه الكلمة يا أمي؟ اقرائي لي السؤال .. قرأت الأم السؤال .. قال محمد: ظاهرة تعاقب الليل والنهار، ام ام .. هيا بسرعة يا ولد .. محمد: ام ام .. اكتب يا محمد: (تدور الأرض حول محورها …..) .. وهكذا تابع محمد -أقصد أم محمد- الامتحان .. ثم قالت: ستحصل على درجة كاملة في هذا الامتحان يا بني .. خرجت أم محمد من الغرفة .. خلد محمد للنوم ثانية .. وذهبت الأم في زيارة لعدد من الجارات والصديقات .. وبين أطراف الحديث، ذكر موضوع الدراسة والامتحانات .. وبدأت كل أم تسرد أسلوب مساعدتها لابنها في تأدية الامتحان .. ويتناقشن حول الطريقة الأفضل للحصول على العلامة التامة .. وتابع الأولاد وأمهاتهم تأدية الامتحانات ..
حصل محمد -وأمه- على علامات جيدة في الامتحان .. ولا شك بأن تعريف الامتحان: أنه اختبار يؤديه الطالب، يهدف إلى تقييم معرفة أو مهارة أو كفاءة أو لياقة بدنية .. ويدل هذا التقييم على مدى استفادة الطالب لما حصل عليه من تعليم وهو شرط لانتقاله للمرحلة التعليمية التالية .. وهذا ما كانت أم محمد وابنها على دراية تامة به، ولم يغفلا عنه أبدًا ..
إلا أن امتحان محمد هذه المرة كان مختلفًا .. تعلم من خلاله أفكار جديدة: تعلم بداية أنه يمكن له أن يحصل على الأشياء حتى لو لم تكن سهلة المنال دون أن يبذل جهدًا يذكر .. وتعلم أنه يمكن أن يتغاضى عن الأمانة في أحد المواقف إذا لزم الأمر -من وجهة نظره- وتعلم أنه يمكن أن يجد مبررًا لأخطائه إذا لزم الأمر .. فلقد تدرب من خلال هذا الامتحان على أن الغاية تبرر الوسيلة ..
يبدو لي أن النتيجة المترتبة على تأدية الأمهات لامتحانات أولادهم .. تولد لدى الأبناء أفكار ستنزلق شيئًا فشيئًا، وعبر الوقت بين مسامات قيمهم وتتجمد داخل نفوسهم، مما يشكل ضغطًا كبيرًا عليهم .. وهذا الضغط سيعمل على تشتيت قيمهم وتفتيتها .. ولأن من مبادئ التعليم التعميم .. فسوف يعمم هؤلاء الأولاد الأسلوب الذي تعلموه لتأدية الامتحان على مواقف الحياة المختلفة .. فكل الأساليب في سبيل تحقيق أغراضهم ومقاصدهم؛ مشروعة .. أيًا كان المقصد، وأيًا كانت الطريقة .. تمامًا كما حدث مع الصخر عندما تفتت لانزلاق الماء فيه، فتبعثرت وتشتت القطع المكسورة منه ..
أتمنى أن لا ينمو جيل بقيم مفتتة، مشتتة .. جيل تعلم أن يجد العذر دائمًا لما يرتكبه من أخطاء .. وأتمنى أن لا يتذوق من علمه هذه الأفكار مرارة الأعذار عندما يرتكب الخطأ بحقه ..
يقول ربي تبارك وتعالى: "... وَمَا أَصَابكَ مِن سيّئَةٍ فمن نَّفسِكَ …" .. (النساء، ٧٩) ..




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :