تلميحات بقلم: د. ميرفت سرحان


سلسلة في أخر الأسبوع خاطرة
تلميحات

تحمل أشعة الشمس طاقة تتفاوت حسب طول موجتها، إلا أنها بالعموم تظل طاقة عالية .. ومع ذلك فإن الإنسان يستطيع أن يرى جزءا بسيطًا من ضوء أشعة الشمس .. والجزء الأكبر منها لا يمكن أن يُرى بالعين المجردة ..
جاءتني احدى الفاضلات تطلب استشارة .. قالت: يا دكتورة أنا متعبة جدًا .. أكاد لا أطيق زوجي، مللت من الحياة لأنه موجود فيها، أريد أن أتخلص من هذا الرجل الشرير .. كلما عشت معه أكثر، كلما شعرت بالألم أكثر .. ثم تحشرج صوتها فجأة، وارتجفت يديها، وتعرق وجهها ..
طلبت منها أن تأخذ نفسًا عميقًا، وتخبرني عما يزعجها .. بدأت تتأتىء بعض الشيء، ثم قالت: ام ام، لا أعرف! .. أقصد لا أدري كيف أصف لك! .. لكن، ما أدركه جيدًا أنني أكره هذا الرجل .. وأرغب بشدة أن لا أستمر في العيش معه .. أرجوكِ أنقذيني منه!! .. حسنًا حسنًا! قلت لها .. دعيني أساعدك .. سوف أطرح عليك بعض التساؤلات، وأريد منك أن تجيبيني عنها .. هل هو رجل بخيل؟ قالت: إنه يحضر كل احتياجات البيت واحتياجاتنا أنا والأولاد .. هل يكذب عليك؟ قالت: لا .. هل يتناول المسكرات أو الممنوعات؟ .. لا لا .. هل يضربك؟ .. لا .. ثم استرسلت: أعلم أنك تقولين في نفسك هذه امرأة مجنونة .. أو (دلوعة) .. أو على الأقل إنها تبالغ .. وربما تعتقدين أنني كاذبة .. وأنا لا ألومك .. قلت: لا، ولكن؛ أحتاج منك إلى توضيح أكثر .. قالت: نظراته الجارحة يا دكتورة، اهتزاز رأسه صعودًا ونزولًا ممزوجًا بحركة شفاهه المستهزئه .. صوت أنفاسه الساخرة .. كلماته المتهكمة التي تقلل من شأني وتحقر من قيمة أي عمل أقوم به .. أشعر دائمًا بأنه يستهزئ بشكلي (تسريحة شعري، عطري، طريقة لبسي)، ويحقر من أفكاري، واهتماماتي، وآرائي .. ويستخف بأهلي، وصديقاتي ومعارفي ..
اتعلمين! حتى نظرات الاعجاب التي يباغتني بها أحيانًا .. تستر ورائها نفس التلميحات التي تستصغر من شأني ومكانتي .. هو لا يكذب عليّ .. فهو لا يعتبر بأن لي أي قدر يذكر يضطره أن يخفي عني الحقيقة أيًا كانت ..
هل تعلمين يا دكتورة .. هو لم يصرح يومًا .. ولا حتى على سبيل الخطأ بأي من هذه المشاعر السلبية .. إنها تلميحات .. مجرد تلميحات ..
ومع ذلك، فقد صرت أبذل قصارى جهدي لكي أتقن العمل الذي أقوم به حتى لو كان يوميًا أو بسيطًا -ليس من باب التمييز أو الإبداع- وإنما لأنني لا أريد أن أتعرض لازدرائه واستخفافه .. بل أصبحت أبادر في سؤاله إن كان يحتاج لخدمة اضافية ولا أتذمر .. وهو يطلب المزيد دومًا، ويرفع سقف توقعاته مني ولا يقنع .. كما صرت أتجنب النظر إلى عينيه كي لا أشاهد تلك النظرات مجددًا .. حتى وصلت إلى ما أنا عليه الآن .. ولم أعد أستطع التحمل أكثر ..
قصة هذه السيدة مثال لعدد كبير من القصص التي يعاني أبطالها من تعرضهم (لبلطجة نفسية) من الآخرين .. سواءً أقارب أو شركاء أو أصدقاء .. أو غيرهم .. وبأساليب متنوعة وأنماط مختلفة ..
يذكرني ما يتعرض له هؤلاء الضعفاء بأشعة الشمس الملتهبة .. مع أننا لا نراها .. إلا أنها قد تتسبب لنا بضربة قد تؤدي إلى هلاكنا .. أو قد تحرق جلدنا .. لذا؛ فإن لم نكن قادرين على مقاومة هذه الأشعة بأي طريقة .. فعلى الأقل علينا أن نقف في الظل ونتجنبها ..
لا تسمح لأحد أن يقلل من شأنك .. لا تصريحًا ولا حتى تلميحًا .. ابذل كل جهدك لتجد الطريقة المناسبة لتوقف أي اعتداء على روحك وثقتك بنفسك .. لا تقف ساكنًا أمام سطوة أيا كان على معنوياتك .. وإن لم تكن قادرًا على المقاومة وعدمت الوسيله، لأي سبب خاص بك أو به .. فعلى أقل تقدير كن واعيًا لما يمارسه معك؛ حتى تقلل من حدة تأثيره عليك ..
يقول ربي تبارك وتعالى: "إنَّ اللهَّ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم" .. (الرعد،١١) ..




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :