أثار قرار استبدال وزارة التربية والتعليم بوزارة جديدة تحت مسمى وزارة التعليم وتنمية الموارد البشرية جدلًا واسعًا في الأوساط التربوية والأكاديمية، ليس اعتراضًا على مبدأ التطوير، بل تساؤلًا مشروعًا حول جدوى الدمج، وتوقيت القرار، ومآلاته الفعلية على التعليم، في ظل واقع تعليمي يعاني أصلًا من تحديات عميقة لم تُحل بعد. بحسب ما ورد على لسان وزير التربية والتعليم، فإن من أبرز مزايا الوزارة الجديدة تعزيز استقلالية الجامعات، وتقليص دور الوزارة في التعليم العالي ليقتصر على وضع السياسات والمعايير الفنية وترخيص المنشآت، والتحقق من مواءمة مخرجات التعليم مع سوق العمل. وهي عناوين جذابة، لكنها ليست جديدة، بل وردت في استراتيجيات وخطط سابقة لم تُترجم بالكامل على أرض الواقع. السؤال الجوهري هنا: هل كانت المشكلة في شكل الوزارة أم في سياساتها وقدرتها على التنفيذ؟ إن الإصرار على إلغاء مسمّى 'التربية' من إسم الوزارة الجديدة، وربط التعليم بمفهوم 'تنمية الموارد البشرية' يعكس توجهًا إداريًا واقتصاديًا بحتًا، يُخشى أن يُختزل فيه التعليم بوصفه أداة لسوق العمل فقط، متناسيًا دوره الوطني والثقافي والقيمي التربوي. ف التعليم ليس مصنعًا للوظائف فحسب، بل هو رافعة وعي وهوية وبناء مجتمع، وأي مقاربة لا تنطلق من هذا الفهم الشامل تُنتج تعليمًا هشًا، حتى وإن حسّنت بعض المؤشرات الرقمية. الحديث الرسمي طمأن الكوادر بعدم إنهاء خدمات أي موظف، وبأن المباني ستبقى كما هي، وأن التفعيل سيتم تدريجيًا على مدار عامين دون تعطيل للخدمات. لكن هذه الطمأنات الإدارية لا تُجيب عن القلق الأعمق: ما هو التصور التربوي الجديد؟ وما الذي سيتغير فعليًا داخل الصف، والمناهج، وأوضاع المعلمين، والطلبة؟ إن دمج مديريات التربية ضمن نموذج تشغيلي جديد، دون حوار موسّع مع الميدان التربوي، ودون إشراك المعلمين والخبراء الحقيقيين في صياغة الرؤية، يفتح الباب أمام مركزية أشد، لا مرونة أكبر، ويجعل من 'المرجعية الواحدة' التي تحدثت عنها الجهات الرسمية سيفًا ذا حدّين. كما أن القول بعدم وجود تعارض أو فجوات في المنظومة الجديدة يظل ادعاءً نظريًا، ما لم تُعرض تفاصيل واضحة حول آليات التنسيق، وحدود الصلاحيات، وكيفية منع تضارب الأدوار بين التعليم العام، والتعليم العالي، والتدريب المهني، وهي قطاعات تختلف في فلسفتها وأدواتها وأهدافها. التجربة الأردنية مع إعادة الهيكلة الحكومية علمتنا أن تغيير المسميات ودمج الوزارات لا يعني بالضرورة إصلاحًا حقيقيًا، ما لم يُرافق ذلك تغيير جذري في السياسات، وتمكين فعلي للكوادر، واستثمار حقيقي في المعلم، لا تحميله أعباء إضافية تحت شعارات التحديث. إن تحديث التعليم لا يبدأ من اللافتة على باب الوزارة، بل من غرفة الصف، ومن احترام عقل الطالب، وكرامة المعلم، واستقلال القرار التربوي عن المزاج الإداري والاقتصادي العابر. وإلى أن تتضح ملامح هذه الوزارة الجديدة في الميدان، سيبقى السؤال مفتوحًا: هل نحن أمام تحديث وإصلاح تعليمي حقيقي… أم إعادة تدوير إدارية بعنوان مختلف؟
أثار قرار استبدال وزارة التربية والتعليم بوزارة جديدة تحت مسمى وزارة التعليم وتنمية الموارد البشرية جدلًا واسعًا في الأوساط التربوية والأكاديمية، ليس اعتراضًا على مبدأ التطوير، بل تساؤلًا مشروعًا حول جدوى الدمج، وتوقيت القرار، ومآلاته الفعلية على التعليم، في ظل واقع تعليمي يعاني أصلًا من تحديات عميقة لم تُحل بعد. بحسب ما ورد على لسان وزير التربية والتعليم، فإن من أبرز مزايا الوزارة الجديدة تعزيز استقلالية الجامعات، وتقليص دور الوزارة في التعليم العالي ليقتصر على وضع السياسات والمعايير الفنية وترخيص المنشآت، والتحقق من مواءمة مخرجات التعليم مع سوق العمل. وهي عناوين جذابة، لكنها ليست جديدة، بل وردت في استراتيجيات وخطط سابقة لم تُترجم بالكامل على أرض الواقع. السؤال الجوهري هنا: هل كانت المشكلة في شكل الوزارة أم في سياساتها وقدرتها على التنفيذ؟ إن الإصرار على إلغاء مسمّى 'التربية' من إسم الوزارة الجديدة، وربط التعليم بمفهوم 'تنمية الموارد البشرية' يعكس توجهًا إداريًا واقتصاديًا بحتًا، يُخشى أن يُختزل فيه التعليم بوصفه أداة لسوق العمل فقط، متناسيًا دوره الوطني والثقافي والقيمي التربوي. ف التعليم ليس مصنعًا للوظائف فحسب، بل هو رافعة وعي وهوية وبناء مجتمع، وأي مقاربة لا تنطلق من هذا الفهم الشامل تُنتج تعليمًا هشًا، حتى وإن حسّنت بعض المؤشرات الرقمية. الحديث الرسمي طمأن الكوادر بعدم إنهاء خدمات أي موظف، وبأن المباني ستبقى كما هي، وأن التفعيل سيتم تدريجيًا على مدار عامين دون تعطيل للخدمات. لكن هذه الطمأنات الإدارية لا تُجيب عن القلق الأعمق: ما هو التصور التربوي الجديد؟ وما الذي سيتغير فعليًا داخل الصف، والمناهج، وأوضاع المعلمين، والطلبة؟ إن دمج مديريات التربية ضمن نموذج تشغيلي جديد، دون حوار موسّع مع الميدان التربوي، ودون إشراك المعلمين والخبراء الحقيقيين في صياغة الرؤية، يفتح الباب أمام مركزية أشد، لا مرونة أكبر، ويجعل من 'المرجعية الواحدة' التي تحدثت عنها الجهات الرسمية سيفًا ذا حدّين. كما أن القول بعدم وجود تعارض أو فجوات في المنظومة الجديدة يظل ادعاءً نظريًا، ما لم تُعرض تفاصيل واضحة حول آليات التنسيق، وحدود الصلاحيات، وكيفية منع تضارب الأدوار بين التعليم العام، والتعليم العالي، والتدريب المهني، وهي قطاعات تختلف في فلسفتها وأدواتها وأهدافها. التجربة الأردنية مع إعادة الهيكلة الحكومية علمتنا أن تغيير المسميات ودمج الوزارات لا يعني بالضرورة إصلاحًا حقيقيًا، ما لم يُرافق ذلك تغيير جذري في السياسات، وتمكين فعلي للكوادر، واستثمار حقيقي في المعلم، لا تحميله أعباء إضافية تحت شعارات التحديث. إن تحديث التعليم لا يبدأ من اللافتة على باب الوزارة، بل من غرفة الصف، ومن احترام عقل الطالب، وكرامة المعلم، واستقلال القرار التربوي عن المزاج الإداري والاقتصادي العابر. وإلى أن تتضح ملامح هذه الوزارة الجديدة في الميدان، سيبقى السؤال مفتوحًا: هل نحن أمام تحديث وإصلاح تعليمي حقيقي… أم إعادة تدوير إدارية بعنوان مختلف؟
أثار قرار استبدال وزارة التربية والتعليم بوزارة جديدة تحت مسمى وزارة التعليم وتنمية الموارد البشرية جدلًا واسعًا في الأوساط التربوية والأكاديمية، ليس اعتراضًا على مبدأ التطوير، بل تساؤلًا مشروعًا حول جدوى الدمج، وتوقيت القرار، ومآلاته الفعلية على التعليم، في ظل واقع تعليمي يعاني أصلًا من تحديات عميقة لم تُحل بعد. بحسب ما ورد على لسان وزير التربية والتعليم، فإن من أبرز مزايا الوزارة الجديدة تعزيز استقلالية الجامعات، وتقليص دور الوزارة في التعليم العالي ليقتصر على وضع السياسات والمعايير الفنية وترخيص المنشآت، والتحقق من مواءمة مخرجات التعليم مع سوق العمل. وهي عناوين جذابة، لكنها ليست جديدة، بل وردت في استراتيجيات وخطط سابقة لم تُترجم بالكامل على أرض الواقع. السؤال الجوهري هنا: هل كانت المشكلة في شكل الوزارة أم في سياساتها وقدرتها على التنفيذ؟ إن الإصرار على إلغاء مسمّى 'التربية' من إسم الوزارة الجديدة، وربط التعليم بمفهوم 'تنمية الموارد البشرية' يعكس توجهًا إداريًا واقتصاديًا بحتًا، يُخشى أن يُختزل فيه التعليم بوصفه أداة لسوق العمل فقط، متناسيًا دوره الوطني والثقافي والقيمي التربوي. ف التعليم ليس مصنعًا للوظائف فحسب، بل هو رافعة وعي وهوية وبناء مجتمع، وأي مقاربة لا تنطلق من هذا الفهم الشامل تُنتج تعليمًا هشًا، حتى وإن حسّنت بعض المؤشرات الرقمية. الحديث الرسمي طمأن الكوادر بعدم إنهاء خدمات أي موظف، وبأن المباني ستبقى كما هي، وأن التفعيل سيتم تدريجيًا على مدار عامين دون تعطيل للخدمات. لكن هذه الطمأنات الإدارية لا تُجيب عن القلق الأعمق: ما هو التصور التربوي الجديد؟ وما الذي سيتغير فعليًا داخل الصف، والمناهج، وأوضاع المعلمين، والطلبة؟ إن دمج مديريات التربية ضمن نموذج تشغيلي جديد، دون حوار موسّع مع الميدان التربوي، ودون إشراك المعلمين والخبراء الحقيقيين في صياغة الرؤية، يفتح الباب أمام مركزية أشد، لا مرونة أكبر، ويجعل من 'المرجعية الواحدة' التي تحدثت عنها الجهات الرسمية سيفًا ذا حدّين. كما أن القول بعدم وجود تعارض أو فجوات في المنظومة الجديدة يظل ادعاءً نظريًا، ما لم تُعرض تفاصيل واضحة حول آليات التنسيق، وحدود الصلاحيات، وكيفية منع تضارب الأدوار بين التعليم العام، والتعليم العالي، والتدريب المهني، وهي قطاعات تختلف في فلسفتها وأدواتها وأهدافها. التجربة الأردنية مع إعادة الهيكلة الحكومية علمتنا أن تغيير المسميات ودمج الوزارات لا يعني بالضرورة إصلاحًا حقيقيًا، ما لم يُرافق ذلك تغيير جذري في السياسات، وتمكين فعلي للكوادر، واستثمار حقيقي في المعلم، لا تحميله أعباء إضافية تحت شعارات التحديث. إن تحديث التعليم لا يبدأ من اللافتة على باب الوزارة، بل من غرفة الصف، ومن احترام عقل الطالب، وكرامة المعلم، واستقلال القرار التربوي عن المزاج الإداري والاقتصادي العابر. وإلى أن تتضح ملامح هذه الوزارة الجديدة في الميدان، سيبقى السؤال مفتوحًا: هل نحن أمام تحديث وإصلاح تعليمي حقيقي… أم إعادة تدوير إدارية بعنوان مختلف؟
التعليقات
هل نحدّث التعليم بتغيير الاسم أم بتغيير السياسات؟ بقلم: نورالدين نديم
التعليقات