لا حزنٌ ولا وجعٌ أقسى من مرارةِ فقدان الابن... حيث يتمنّى كلٌّ أبٍّ وأمٍ أن يفارِقوا الحياةَ قبلَ أن يواجهوا مثلَ هذا اليوم... أو أن يختبرهم مثلُ هذا الامتحان... حيثُ جرت العادةُ أن يسبقوا أبناءَهم إلى القبور، لا أن يحملوهم إليها... إلاّ أنها إرادة اللهِ تختبِرُ البعضَ بهذهِ التجربةِ القاسية... وهذا الابتلاءُ الصّعب... في تجرّع هذهِ المرارةِ التي لا تُساويها مرارة... لتصبحَ الحياةُ بعدَها غيرَ الحياة... ويظلُّ القلبُ بعدَها جريحاً ينزِفُ حزناً إلى مَا شاءَ الله.
أي بنيّ،،، أكتبُ لك في سهري بعدَ أنّ أتعبني غيابُك... كنتُ أظنُّ أنّه لن أستطيعَ إيقادَ شعلة الكلام بعدَ أن تملّكتني الآلام... لقد نسيتُ ومنذُ أن فقدتُكُ كيفَ أكتبُ قصصَ الفرح؛ لأنَّ شيئاً ما بداخلي قد انجرح... اشتاقُ لكَ كثيراً، ولم أستطع أن أُخبرك... هكذا هي الأيامُ حكَمَت عليَّ بالآلام... احتَسِبُكَ عندَ الله، حيثُ لا لجبروتِ رجلٍ، ولا مجالَ لكبرياءِ امرأة في مثلِ هذهِ الظروف والمِحن.
يا ليتَ الزّمان يعود، واللقاءُ يبقى للأبد... ولكن مهمَا مضَى من السنين، سيبقى الموتُ هو الأنين... وستبقى الذكرياتُ قاموساً تتردَّدُ عليه لمساتُ الوداعِ والفراق... وسيبقى الوداعُ والموتُ هو البقاء.
كان مازن رفيقَ دربي بعدَ أبيه... وأنيسَ وحدتي، كيف لا؟ وهو الجارُ الذي يعلُوني وأنا أعلوه... وأقلُّ ما يُقالُ فيهِ من أسرارِ الجمال... راقيةٌ أخلاقه...كثيرُ الابتسام... ومن أسرارِ هيبتهِ... قليلُ الكلام... في كلّ التفاصيلِ يوجدُ ما يُذكّرني به... سيبقى أروعَ مَن أَدخلهُ القدرُ عالمي... فبقدومهِ تحقَّقَت وتفجَّرَت أُمومتي... كبِرْنا مَعاً... فكان الرّفيقُ بكلِّ مفاصِلِ الحياة... الحلوةُ والمرّةُ منها، والأعمقُ إحساساً... لا أذكرُهُ جالساً بحضوري قطْ... حتّى وأنا جالسة... ولا صوتُهُ علا صوتيَ أبداً ... أتذكّرُ عينيه الجميلتين وهما ضاحكتين... تُغلْغِلْ حنيني بنظرتهما إلى أعماقٍ سحيقةٍ في النّفس... لطالما ضَمّدتْ جراحاً أصبحت من غابرِ الزّمان... إلاّ أنّ موتَ أبيهِ استمرَّ عنده جرحاً نازفاً لآخرِ يومٍ في حياته.
لم أكن الوحيدةُ ممّن قاسَوْا شعورَ الفراق، فزوجتُهُ وأبناؤهُ... أشقاؤهُ وأقاربهُ... عشيرتهُ ومحبّوهُ... أصدقاؤه وروّادُ عيادتهِ كثيرٌ منهم من قاسَمَنا ألمَ الفراق ولوعةَ الاشتياق، منهم مَن نعرفُهم ومنهم مَن لم نعلمهم، جزاهُم اللهُ عَنّا وعَنهُ خيرَ الجزاء... فكان رحمهُ الله الشّخصَ الذّي يسخِّرُ علمَهُ ووقتَهُ وجهدَهُ لمساعدةِ الناس، ومن يطرُقُ بابَهُ بإنسانيّةٍ ومهنيّةٍ قلَّ نظيرُها... جَسّدَ رسالةَ الإنسانيّةِ في مجتمعهِ فعلاً وليسَ قولاً... كان الأكثرَ شُعوراً بالمريض وتعاطفاً مع أهله... ولأجلِ ذلك نالَ مكانةً عاليةً في مجتمعِه وأسرته... فضّلَ عملَ الخيرِ عن جنيِ الأموال، فكانَ ناسكاً في محرابِ العمل والعطاء، دونَ مُقابِلٍ مادّيٍّ ولا معنوي، هذا الذي كانَ يُرضيه، فكان عابداً لربّه، كما أحبَّ على طريقَتِهِ إعمارَ الأرض، ونشر قِيمِ العطاء، خالصاً لوجهِ الله تعالى.
علّمَنا مازن كيفَ نتقبَّلُ موتَ الأحبّاء البطيء، وغادرنا قبلَ أن يُعلّمَنا كيفَ نتقبَّلُ موتَ الفجأة... شاءت الأقدارُ أن لا يشهَدَ زمنَ الكورونا حتّى يعفيهِ الله أن يَحيَى ويَمُوت معَ كُلِّ حالةٍ من الحالات التي مرَّ فيها أحبابٌ لنا، ليس وفاءاً لقَسَمِ المهنة الذي أقسمَه فقط، وإنما لعميقِ إحساسِهِ بمحيطه الذي ما انسلَخَ عنه يوماً واحداً، لا يقدِرُ أن يقفَ موقَفَ المتفرّجِ، حتّى يتحقّقَ رضاه ورضاً بقضاءِ الله وقدره، ويُضمّدَ جراحَ النفسِ والجسد لمن غادرَ ومن يَبقى بعدَه. الغائب الحاضر مازن،،، أيّها البعيدُ عنّي في آخرِ المدى، كيفَ صنعتَ من اللاوجود كلَّ هذا الوجود؟... ورغمَ كلّ هذا الفراغِ حولي، كيفَ أحطْتَ بي؟... وكيفَ يكونُ في غيابِك كلُّ هذا الحضور؟.
لتقرّ روحُك بسلام... فزوجتُك د. فريهان وابنتُك سوار مؤمنون بقضاءِ الله وقدره، وأبناؤُك محمد وعمرو ومعتز سيُكمِلُون المسيرةَ الطيّبةَ التي بدأتَهَا، وإِن شاءَ الله سائِرُونَ على نهجِكَ وفي مدرستِكَ التي تعلّمُوا منها مخافةَ اللهِ واحترامَ الناس... نعيشُ على ذِكراكَ العطِرَة ومحبّة الناسِ لك، فالجميعُ يتذكّرُكَ بالخير، أَوجَعَهُم رحيلُكَ كما أوجَعَنا، ويترَحَّمُون علَيك؛ لِدماثَةِ أخلاقِك وتعامُلِك الرّاقي معهم، وحرصك على قضاءِ حوائِجهم، رحلتَ وتركتَ سيرةً طيّبة، وإرثاً إنسانيّاً قلَّ نظيرُه، فنسأَلُ اللهَ لكَ الرحمةَ والمغفرةَ والقبُول، وأن يُسكِنَكَ فسيحَ جنّاتهِ مع الأنبياءِ والصدِّقين والشُّهداء 'إنّهُ قريبٌ مجيبُ الدّعاء'.
ختمتُ قراءةَ القرآنِ ثلاثاً، فهو ربيعُ القلوب ونورُ الصدور آناءَ الليل وأطراف النهّار، ورفعتُهُ على اليوتيوب بعدَ أن جمعته، أحتسبُها صدقةً جاريةً لروحك، تجاوزَ من شغَّلَها الآلاف، وستبقَى تزيدُ وتزيدُ مع الأيّام، وذلكَ لكلّ من احتاجَ أن يختِمَ القرانَ ويُهديهِ لروحِ من أحبَّ أو فقَد.
تقامُ ختمة للقرآن الكريم على روح د. مازن البشير الساعة الرابعة (4) مساء اليوم الخميس الموافق 4/3/2021 بتوقيت عمّان، كلٌّ من موقعه. الرابط: https://www.youtube.com/watch?v=BHnRYL47VqM&feature=youtu.be
لا حزنٌ ولا وجعٌ أقسى من مرارةِ فقدان الابن... حيث يتمنّى كلٌّ أبٍّ وأمٍ أن يفارِقوا الحياةَ قبلَ أن يواجهوا مثلَ هذا اليوم... أو أن يختبرهم مثلُ هذا الامتحان... حيثُ جرت العادةُ أن يسبقوا أبناءَهم إلى القبور، لا أن يحملوهم إليها... إلاّ أنها إرادة اللهِ تختبِرُ البعضَ بهذهِ التجربةِ القاسية... وهذا الابتلاءُ الصّعب... في تجرّع هذهِ المرارةِ التي لا تُساويها مرارة... لتصبحَ الحياةُ بعدَها غيرَ الحياة... ويظلُّ القلبُ بعدَها جريحاً ينزِفُ حزناً إلى مَا شاءَ الله.
أي بنيّ،،، أكتبُ لك في سهري بعدَ أنّ أتعبني غيابُك... كنتُ أظنُّ أنّه لن أستطيعَ إيقادَ شعلة الكلام بعدَ أن تملّكتني الآلام... لقد نسيتُ ومنذُ أن فقدتُكُ كيفَ أكتبُ قصصَ الفرح؛ لأنَّ شيئاً ما بداخلي قد انجرح... اشتاقُ لكَ كثيراً، ولم أستطع أن أُخبرك... هكذا هي الأيامُ حكَمَت عليَّ بالآلام... احتَسِبُكَ عندَ الله، حيثُ لا لجبروتِ رجلٍ، ولا مجالَ لكبرياءِ امرأة في مثلِ هذهِ الظروف والمِحن.
يا ليتَ الزّمان يعود، واللقاءُ يبقى للأبد... ولكن مهمَا مضَى من السنين، سيبقى الموتُ هو الأنين... وستبقى الذكرياتُ قاموساً تتردَّدُ عليه لمساتُ الوداعِ والفراق... وسيبقى الوداعُ والموتُ هو البقاء.
كان مازن رفيقَ دربي بعدَ أبيه... وأنيسَ وحدتي، كيف لا؟ وهو الجارُ الذي يعلُوني وأنا أعلوه... وأقلُّ ما يُقالُ فيهِ من أسرارِ الجمال... راقيةٌ أخلاقه...كثيرُ الابتسام... ومن أسرارِ هيبتهِ... قليلُ الكلام... في كلّ التفاصيلِ يوجدُ ما يُذكّرني به... سيبقى أروعَ مَن أَدخلهُ القدرُ عالمي... فبقدومهِ تحقَّقَت وتفجَّرَت أُمومتي... كبِرْنا مَعاً... فكان الرّفيقُ بكلِّ مفاصِلِ الحياة... الحلوةُ والمرّةُ منها، والأعمقُ إحساساً... لا أذكرُهُ جالساً بحضوري قطْ... حتّى وأنا جالسة... ولا صوتُهُ علا صوتيَ أبداً ... أتذكّرُ عينيه الجميلتين وهما ضاحكتين... تُغلْغِلْ حنيني بنظرتهما إلى أعماقٍ سحيقةٍ في النّفس... لطالما ضَمّدتْ جراحاً أصبحت من غابرِ الزّمان... إلاّ أنّ موتَ أبيهِ استمرَّ عنده جرحاً نازفاً لآخرِ يومٍ في حياته.
لم أكن الوحيدةُ ممّن قاسَوْا شعورَ الفراق، فزوجتُهُ وأبناؤهُ... أشقاؤهُ وأقاربهُ... عشيرتهُ ومحبّوهُ... أصدقاؤه وروّادُ عيادتهِ كثيرٌ منهم من قاسَمَنا ألمَ الفراق ولوعةَ الاشتياق، منهم مَن نعرفُهم ومنهم مَن لم نعلمهم، جزاهُم اللهُ عَنّا وعَنهُ خيرَ الجزاء... فكان رحمهُ الله الشّخصَ الذّي يسخِّرُ علمَهُ ووقتَهُ وجهدَهُ لمساعدةِ الناس، ومن يطرُقُ بابَهُ بإنسانيّةٍ ومهنيّةٍ قلَّ نظيرُها... جَسّدَ رسالةَ الإنسانيّةِ في مجتمعهِ فعلاً وليسَ قولاً... كان الأكثرَ شُعوراً بالمريض وتعاطفاً مع أهله... ولأجلِ ذلك نالَ مكانةً عاليةً في مجتمعِه وأسرته... فضّلَ عملَ الخيرِ عن جنيِ الأموال، فكانَ ناسكاً في محرابِ العمل والعطاء، دونَ مُقابِلٍ مادّيٍّ ولا معنوي، هذا الذي كانَ يُرضيه، فكان عابداً لربّه، كما أحبَّ على طريقَتِهِ إعمارَ الأرض، ونشر قِيمِ العطاء، خالصاً لوجهِ الله تعالى.
علّمَنا مازن كيفَ نتقبَّلُ موتَ الأحبّاء البطيء، وغادرنا قبلَ أن يُعلّمَنا كيفَ نتقبَّلُ موتَ الفجأة... شاءت الأقدارُ أن لا يشهَدَ زمنَ الكورونا حتّى يعفيهِ الله أن يَحيَى ويَمُوت معَ كُلِّ حالةٍ من الحالات التي مرَّ فيها أحبابٌ لنا، ليس وفاءاً لقَسَمِ المهنة الذي أقسمَه فقط، وإنما لعميقِ إحساسِهِ بمحيطه الذي ما انسلَخَ عنه يوماً واحداً، لا يقدِرُ أن يقفَ موقَفَ المتفرّجِ، حتّى يتحقّقَ رضاه ورضاً بقضاءِ الله وقدره، ويُضمّدَ جراحَ النفسِ والجسد لمن غادرَ ومن يَبقى بعدَه. الغائب الحاضر مازن،،، أيّها البعيدُ عنّي في آخرِ المدى، كيفَ صنعتَ من اللاوجود كلَّ هذا الوجود؟... ورغمَ كلّ هذا الفراغِ حولي، كيفَ أحطْتَ بي؟... وكيفَ يكونُ في غيابِك كلُّ هذا الحضور؟.
لتقرّ روحُك بسلام... فزوجتُك د. فريهان وابنتُك سوار مؤمنون بقضاءِ الله وقدره، وأبناؤُك محمد وعمرو ومعتز سيُكمِلُون المسيرةَ الطيّبةَ التي بدأتَهَا، وإِن شاءَ الله سائِرُونَ على نهجِكَ وفي مدرستِكَ التي تعلّمُوا منها مخافةَ اللهِ واحترامَ الناس... نعيشُ على ذِكراكَ العطِرَة ومحبّة الناسِ لك، فالجميعُ يتذكّرُكَ بالخير، أَوجَعَهُم رحيلُكَ كما أوجَعَنا، ويترَحَّمُون علَيك؛ لِدماثَةِ أخلاقِك وتعامُلِك الرّاقي معهم، وحرصك على قضاءِ حوائِجهم، رحلتَ وتركتَ سيرةً طيّبة، وإرثاً إنسانيّاً قلَّ نظيرُه، فنسأَلُ اللهَ لكَ الرحمةَ والمغفرةَ والقبُول، وأن يُسكِنَكَ فسيحَ جنّاتهِ مع الأنبياءِ والصدِّقين والشُّهداء 'إنّهُ قريبٌ مجيبُ الدّعاء'.
ختمتُ قراءةَ القرآنِ ثلاثاً، فهو ربيعُ القلوب ونورُ الصدور آناءَ الليل وأطراف النهّار، ورفعتُهُ على اليوتيوب بعدَ أن جمعته، أحتسبُها صدقةً جاريةً لروحك، تجاوزَ من شغَّلَها الآلاف، وستبقَى تزيدُ وتزيدُ مع الأيّام، وذلكَ لكلّ من احتاجَ أن يختِمَ القرانَ ويُهديهِ لروحِ من أحبَّ أو فقَد.
تقامُ ختمة للقرآن الكريم على روح د. مازن البشير الساعة الرابعة (4) مساء اليوم الخميس الموافق 4/3/2021 بتوقيت عمّان، كلٌّ من موقعه. الرابط: https://www.youtube.com/watch?v=BHnRYL47VqM&feature=youtu.be
لا حزنٌ ولا وجعٌ أقسى من مرارةِ فقدان الابن... حيث يتمنّى كلٌّ أبٍّ وأمٍ أن يفارِقوا الحياةَ قبلَ أن يواجهوا مثلَ هذا اليوم... أو أن يختبرهم مثلُ هذا الامتحان... حيثُ جرت العادةُ أن يسبقوا أبناءَهم إلى القبور، لا أن يحملوهم إليها... إلاّ أنها إرادة اللهِ تختبِرُ البعضَ بهذهِ التجربةِ القاسية... وهذا الابتلاءُ الصّعب... في تجرّع هذهِ المرارةِ التي لا تُساويها مرارة... لتصبحَ الحياةُ بعدَها غيرَ الحياة... ويظلُّ القلبُ بعدَها جريحاً ينزِفُ حزناً إلى مَا شاءَ الله.
أي بنيّ،،، أكتبُ لك في سهري بعدَ أنّ أتعبني غيابُك... كنتُ أظنُّ أنّه لن أستطيعَ إيقادَ شعلة الكلام بعدَ أن تملّكتني الآلام... لقد نسيتُ ومنذُ أن فقدتُكُ كيفَ أكتبُ قصصَ الفرح؛ لأنَّ شيئاً ما بداخلي قد انجرح... اشتاقُ لكَ كثيراً، ولم أستطع أن أُخبرك... هكذا هي الأيامُ حكَمَت عليَّ بالآلام... احتَسِبُكَ عندَ الله، حيثُ لا لجبروتِ رجلٍ، ولا مجالَ لكبرياءِ امرأة في مثلِ هذهِ الظروف والمِحن.
يا ليتَ الزّمان يعود، واللقاءُ يبقى للأبد... ولكن مهمَا مضَى من السنين، سيبقى الموتُ هو الأنين... وستبقى الذكرياتُ قاموساً تتردَّدُ عليه لمساتُ الوداعِ والفراق... وسيبقى الوداعُ والموتُ هو البقاء.
كان مازن رفيقَ دربي بعدَ أبيه... وأنيسَ وحدتي، كيف لا؟ وهو الجارُ الذي يعلُوني وأنا أعلوه... وأقلُّ ما يُقالُ فيهِ من أسرارِ الجمال... راقيةٌ أخلاقه...كثيرُ الابتسام... ومن أسرارِ هيبتهِ... قليلُ الكلام... في كلّ التفاصيلِ يوجدُ ما يُذكّرني به... سيبقى أروعَ مَن أَدخلهُ القدرُ عالمي... فبقدومهِ تحقَّقَت وتفجَّرَت أُمومتي... كبِرْنا مَعاً... فكان الرّفيقُ بكلِّ مفاصِلِ الحياة... الحلوةُ والمرّةُ منها، والأعمقُ إحساساً... لا أذكرُهُ جالساً بحضوري قطْ... حتّى وأنا جالسة... ولا صوتُهُ علا صوتيَ أبداً ... أتذكّرُ عينيه الجميلتين وهما ضاحكتين... تُغلْغِلْ حنيني بنظرتهما إلى أعماقٍ سحيقةٍ في النّفس... لطالما ضَمّدتْ جراحاً أصبحت من غابرِ الزّمان... إلاّ أنّ موتَ أبيهِ استمرَّ عنده جرحاً نازفاً لآخرِ يومٍ في حياته.
لم أكن الوحيدةُ ممّن قاسَوْا شعورَ الفراق، فزوجتُهُ وأبناؤهُ... أشقاؤهُ وأقاربهُ... عشيرتهُ ومحبّوهُ... أصدقاؤه وروّادُ عيادتهِ كثيرٌ منهم من قاسَمَنا ألمَ الفراق ولوعةَ الاشتياق، منهم مَن نعرفُهم ومنهم مَن لم نعلمهم، جزاهُم اللهُ عَنّا وعَنهُ خيرَ الجزاء... فكان رحمهُ الله الشّخصَ الذّي يسخِّرُ علمَهُ ووقتَهُ وجهدَهُ لمساعدةِ الناس، ومن يطرُقُ بابَهُ بإنسانيّةٍ ومهنيّةٍ قلَّ نظيرُها... جَسّدَ رسالةَ الإنسانيّةِ في مجتمعهِ فعلاً وليسَ قولاً... كان الأكثرَ شُعوراً بالمريض وتعاطفاً مع أهله... ولأجلِ ذلك نالَ مكانةً عاليةً في مجتمعِه وأسرته... فضّلَ عملَ الخيرِ عن جنيِ الأموال، فكانَ ناسكاً في محرابِ العمل والعطاء، دونَ مُقابِلٍ مادّيٍّ ولا معنوي، هذا الذي كانَ يُرضيه، فكان عابداً لربّه، كما أحبَّ على طريقَتِهِ إعمارَ الأرض، ونشر قِيمِ العطاء، خالصاً لوجهِ الله تعالى.
علّمَنا مازن كيفَ نتقبَّلُ موتَ الأحبّاء البطيء، وغادرنا قبلَ أن يُعلّمَنا كيفَ نتقبَّلُ موتَ الفجأة... شاءت الأقدارُ أن لا يشهَدَ زمنَ الكورونا حتّى يعفيهِ الله أن يَحيَى ويَمُوت معَ كُلِّ حالةٍ من الحالات التي مرَّ فيها أحبابٌ لنا، ليس وفاءاً لقَسَمِ المهنة الذي أقسمَه فقط، وإنما لعميقِ إحساسِهِ بمحيطه الذي ما انسلَخَ عنه يوماً واحداً، لا يقدِرُ أن يقفَ موقَفَ المتفرّجِ، حتّى يتحقّقَ رضاه ورضاً بقضاءِ الله وقدره، ويُضمّدَ جراحَ النفسِ والجسد لمن غادرَ ومن يَبقى بعدَه. الغائب الحاضر مازن،،، أيّها البعيدُ عنّي في آخرِ المدى، كيفَ صنعتَ من اللاوجود كلَّ هذا الوجود؟... ورغمَ كلّ هذا الفراغِ حولي، كيفَ أحطْتَ بي؟... وكيفَ يكونُ في غيابِك كلُّ هذا الحضور؟.
لتقرّ روحُك بسلام... فزوجتُك د. فريهان وابنتُك سوار مؤمنون بقضاءِ الله وقدره، وأبناؤُك محمد وعمرو ومعتز سيُكمِلُون المسيرةَ الطيّبةَ التي بدأتَهَا، وإِن شاءَ الله سائِرُونَ على نهجِكَ وفي مدرستِكَ التي تعلّمُوا منها مخافةَ اللهِ واحترامَ الناس... نعيشُ على ذِكراكَ العطِرَة ومحبّة الناسِ لك، فالجميعُ يتذكّرُكَ بالخير، أَوجَعَهُم رحيلُكَ كما أوجَعَنا، ويترَحَّمُون علَيك؛ لِدماثَةِ أخلاقِك وتعامُلِك الرّاقي معهم، وحرصك على قضاءِ حوائِجهم، رحلتَ وتركتَ سيرةً طيّبة، وإرثاً إنسانيّاً قلَّ نظيرُه، فنسأَلُ اللهَ لكَ الرحمةَ والمغفرةَ والقبُول، وأن يُسكِنَكَ فسيحَ جنّاتهِ مع الأنبياءِ والصدِّقين والشُّهداء 'إنّهُ قريبٌ مجيبُ الدّعاء'.
ختمتُ قراءةَ القرآنِ ثلاثاً، فهو ربيعُ القلوب ونورُ الصدور آناءَ الليل وأطراف النهّار، ورفعتُهُ على اليوتيوب بعدَ أن جمعته، أحتسبُها صدقةً جاريةً لروحك، تجاوزَ من شغَّلَها الآلاف، وستبقَى تزيدُ وتزيدُ مع الأيّام، وذلكَ لكلّ من احتاجَ أن يختِمَ القرانَ ويُهديهِ لروحِ من أحبَّ أو فقَد.
تقامُ ختمة للقرآن الكريم على روح د. مازن البشير الساعة الرابعة (4) مساء اليوم الخميس الموافق 4/3/2021 بتوقيت عمّان، كلٌّ من موقعه. الرابط: https://www.youtube.com/watch?v=BHnRYL47VqM&feature=youtu.be
التعليقات
ذكرى مرورِ عامٍ على وفاةِ د. مازن البشير بقلم: هيفاء البشير
التعليقات