الرواية الاردنية تغادر الهامش


عمانيات - يطرق المشهد الروائي الاردني بفعل انزياحات نوعية يشهدها، بوابة المركز الثقافي العربي، بعد ان كان يحسب على دول الهامش، حسب متخصصين، يرصدون كذلك توسعا كميا في النتاج الروائي على حساب اشتراطات هذا النوع من الابداع وجودته.
هؤلاء المتخصصون يتوقفون مطولا عند تجارب عديد من الروائيين الاردنيين الذين كرسوا تجارب اصيلة حققت صدى واسعا على الساحتين المحلية والعربية.
ويقول الناقد الدكتور إبراهيم السعافين الذي كان رئيسا لجنة تحكيم جائزة البوكر لدورة الــ11 لعام 2018 ؛" إنّ المشهد الروائي إبداعًا ونقدًا، يعاني من بعض المشكلات أهمها غياب المعايير التي تحدد قيمة العمل الأدبي، فللرواية الأردنية تاريخ ليس قصيرا، وإن كانت تنتمي إلى دول الهامش ثقافيًا، أما الآن فقد بدأت، بفضل الجوائز والحركة الثقافية النشطة تتجه نحو المركز".
يضيف السعافين "لقد تكرست أجيال من الروائيين مثلت الاتجاهات الروائية العربية والعالمية من المخاض إلى النضج والمشاركة على القمة، إذ أصبح للرواية الأردنية اسم بارز في كل محفل"، لافتا الى ان "الذي يصيب الروائي في مقتل، يكم في التقاعس والاعتماد على الاسم، ذلك أن الكتابة الروائية عمل صعب وهي في حاجة إلى الانتباه الشديد والمثابرة والوعي والجهد والثقافة والابتعاد عن الغرور".
أمّا الناقد الاكاديمي الدكتور إبراهيم خليل فيرى ان "ما ينسحب على قراءة المشهد الروائي في الأردن يشبه المشاهد الشعرية والقصصية والنقدية، لكن ما يميز الرواية عن الأنواع الأدبية الأخرى، يكمن أن في هذه النتاجات تشهد كثرة لافتة ناتجة عن سوء فهم يعاني منه كثيرون، وهو الظن أن الرواية شيء يسير، وكل من هب ودب يستطيع كتابته، وهذا ضرب بعيد من الظن". الدكتور خليل يؤكد أن ما افسد المشهد الروائي هو كثرة النتاجات التي تصدر عن المطابع، ودور النشر"، واصفا إياها بــ"السواليف التي تتكدس في بعض الكتب، فهي عنده "مثيرة لشفقة القارئ المتخصص، فهي تتجشم عناء الاسم، فيما هي تحتوي رموزا شعرية ولغة مفتعلة تسيء للرواية".
ويقول إن البعض يكتب الرواية باعتبارها قصائد نثر يلتصق بعضها ببعض من غير اتساق، فيما البعض الاخر يجعل منها سيرة ذاتية، أو بحثا تاريخيا لوجوه شتى من الوقائع، "لكن هذا لا ينفي أن بعض الروائيين قدموا أعمالا جيدة يصدق عليها وصف الرواية، على الرغم من قلة عدد هذه النماذج بالقياس للكثير الذي يختلط فيه الغث بالسمين". ويعتبر خليل "أنّ حصول بعض الروائيين على جوائز وازنة، دليل على تقدم ملموس في تطور المشهد الروائي، لكن هذا لا يتنافى مع الحذر من أن ينطلي ذلك على كثيرين، فالجوائز لا تمنح بالضرورة وفقا لمعايير الفن، بل ربما كانت تمنح لأسباب جهوية، أو سياسية فئوية، أو لأغراض شخصية أخرى، والأمثلة على هذا كثيرة جدأ".
استاذ الأدب والنقد بجامعة فيلادلفيا الدكتور محمد عبيدالله لفت ابتداء الى أن للرواية الأردنية موقعها البارز ضمن مشهد الرواية العربية، وهي تتبوأ موقعاً متقدماً في اهتمام النقاد والقراء، وفي قوائم الجوائز العربية المتخصصة.
ورأى أن صعود الفن الروائي في العقود الأخيرة أدى إلى ظاهرة غلبة الكمّ على الكيف، كما أدى إلى قدر من التسرّع، وإلى تراجع دور النقد المعمّق لمصلحة الملاحظات الصحفية العابرة، لافتا إلى أن من بين التحديات التي تواجه الرواية الأردنية أنها في معظمها روايات غنائية، يهيمن عليها الصوت المنفرد، وهو ملمح قصصي وشعري، في الأساس، ويعبر عن وجدان الفرد وليس عن شبكة العلاقات الاجتماعية. وبحسب الدكتور عبيدالله، فان "ما ينقصنا هو الرواية الحقّة التي تتمثل في الرواية الحوارية-الديمقراطية متعددة الأصوات فهي رواية العالم الحديث بامتياز". على ان الرواية الأردنية، كما يؤكد عبيدالله "بلغت مستواها المتقدم في تجارب تيسير سبول وغالب هلسا ومؤنس الرزاز، بينما التجارب اللاحقة والراهنة ما تزال دون تلك القمة، فتجربة هلسا بأفقها العربي والفكري والتقني المتقدم ما تزال أهم تجارب الرواية الأردنية وأكثرها تأثيرا على المستوى العربي". ويضيف أن "في نتاجاتنا المحلية روايات كثيرة جيدة، لكن ليس ثمة حركة روائية تفرز تيارات ومدارس"، واصفا التيار السائد في الرواية الاردنية "بالغنائي الذي يمثل هامشا من أنواع الرواية الحديثة، ولذلك فإن الالتفات مجددا إلى وظيفة الرواية الجوهرية قد يكون مفيداً في مثل هذا الحال".
يعود عبيدالله مجددا الى فكرته القائلة "ان الرواية ذات وظيفة مختلفة تماما، تبدأ من الاقتناع بتجاوز الصوت الواحد إلى تعدّدية الأصوات".
الناقدة والاكاديمية الدكتورة رزان إبراهيم، تذهب الى الحديث حول الرواية الاردنية والواقع العربي، فتقول إن الروائي الأردني غير منعزل عن موضوعات عربية طرحت الأسئلة تباعا حول أشكال الاستبداد المتنوعة، كما فعلت سميحة خريس في روايتها "يحيى" التي تناولت علاقة الديني بالسياسي، أو حين دعتنا في "فستق عبيد" لتأمل أشكال الهيمنة التي يمارسها طرف تجاه آخر مختلف". تلفت ابراهيم الى انه بتأثير من الواقع العربي المستجد فقد كانت لشخصية الإرهابي حضورها في الرواية الأردنية كما في العربية عموما، وهو ما يظهر في رواية الراحل جمال ناجي "موسم الحوريات"، وكذلك جلال برجس في "أفاعي النار" وسواهما. وتبقى رواية "حرب الكلب الثانية" حسب ابراهيم "علامة بارزة بصرخة تحذيرية حركتها وقائع عربية مرعبة، دفعت مؤلفها إبراهيم نصر الله كي يطلق صرخة تحذيرية من مستقبل قادم لا يبشر بخير". وتقول "بحكم العلاقة التاريخية والاجتماعية والجغرافية التي تجمع الأردن بفلسطين، ظلت فلسطين حاضرة في أكثر من رواية أردنية"، لافتة إلى رواية ليلى الأطرش "ترانيم الغواية"، ورواية أحمد أبو سليم "كوانتوم" التي فازت اخيرا بجائزة جمال أبو حمدان التي تمنحها رابطة الكتاب الأردنيين. وتبين "الصعيد الشكلي نستطيع بكل بساطة أن نجد نمطاً روائياً اردنيا يميل إلى أنماط سردية حداثية أو ما بعد حداثية غرائبية فانتازية، لكنك على الأغلب ستقع على أنماط واقعية غير بعيدة عن الحبكة التقليدية"




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد