نساء دين بقلم الدكتورة ميرفت سرحان



نساء دين
بقلم الدكتورة ميرفت سرحان
شاهدت عرضًا مسرحيًا لمجموعة من الشباب، موجهًا للأطفال ما بين خمس وست سنوات ..
كان العرض جاذبًا، لدرجة جعلت الأطفال متسمرين، فقد كانوا جالسين في أماكنهم، دون حراك .. يصغون باهتمام .. وعيونهم مفتوحة على وسعها .. وتركيزهم في أفضل حالاته، بحيث لو ناديت على طفل حينها فلن يلتفت إليك، وقد لا يسمع صوتك أبدًا، وللأمانة فقد لفتني الموقف بشدة .. فأخذت أفكر؛ يا ترى ما الذي جعل هؤلاء الأطفال يصغون بهذا الانتباه الحاد، مع أن من خصائصهم النشاط والحركة؟! .. وفي أثناء بحثي عن الإجابة، التفت بتركيزي على الممثلين هذه المرة .. وللصراحة فقد كان العرض في غاية الإتقان؛ أدى الممثلون أدوارهم برشاقة وخفة، وكأنما يؤدون أدوارهم في حياتهم الحقيقية .. وارتدوا ملابس فصلت على مقاس الدور بمهارة .. عداك عن أن النص مكتوب بحرفية .. "السيناريو" جاذب، والحوار يخاطب العاطفة ..
في بعض التجمعات النسائية التي تتخذ الطابع الديني .. كالتجمعات التي يطلق عليها اسم "مولد" .. أو "درس دين" .. أو حتى في بيوت الأجر، يمكنك مشاهدة عرضًا مشابهًا للمشهد السابق .. بطلته فتاة أو سيدة؛ لديها قدر لا بأس فيه من المعرفة في بعض قصص السيرة النبوية، أو سير الخلفاء والصحابة (والتي قد يكون بعضها مغلوطًا) .. وتحفظ قدرًا جيدًا من الأحاديث النبوية الشريفة (والتي قد يكون بعضها موضوعًا) .. تتسم بالطلاقة اللفظية، وتمتلك بعضًا من الذكاء اللغوي .. وترتدي زيًا إسلاميًا ساترا وفضفاضًا، ويوحي بالحصافة والرزانة .. عندما تبدأ بسرد ما لديها من قصص وأحاديث .. ينصت الجميع في بداية الأمر مبديًا اهتمامًا شديدًا لما تروي .. فكلنا يحب سماع الحكايا، والإصغاء لسرد القصص، فهي تثير عواطفنا لما تحويه من عظات وما يتخللها من العبر، ويأخذنا مبدأ الثواب والعقاب لعالم الروحانيات، الذي لا يلبث أن يفارقنا بمجرد مغادرتنا للموقف .. وبعد فترة من حديث السيدة .. ولأنه يغلب على طبعنا حب الكلام أكثر من حبنا للاصغاء .. تبدأ بعض النساء بالتململ .. لتشرع بعضهن بالحديث عن مواضيعها الخاصة، ومنهن من يبدأن بالحديث عن أهل البيت الذي يجمعهن، وعن المناسبة التي يحضرنها .. ومنهن من يتحدثن عن هموم الدنيا وتحدياتها، وصعوبات الحياة وتأزم الأوضاع .. ومنهن، ومنهن، ومنهن ..
وما أن تنهي السيدة الفاضلة "درسها" حتى ترى بعض من سيدات المجلس (بسيطات العلم، ومتواضعات المعرفة) يلتففن حول السيدة -في مشهد يشبه مسرحية الأطفال- ويشرعن بسؤالها حول بعض القضايا التي تحتاج لفتوى شريعة .. ولأن السيدة، كريمة وعلمها غزير، ومبادئها لا تسمح لها أن ترد أحدًا، ولا تجيبه؛ تبدأ بتفريق الفتاوى يمينًا وشمالًا، وتوزيع الأحكام بلا حسبان .. ووالله إنك لتسمع فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان ..
فيا حضرات الأفاضل؛ نساء ورجالًا، يا من تحبون ذلك النوع من الجالسات .. أرجوكم؛ إن كان لديكم ما يحيركم أمره، أو ما لا تعرفون حكمه .. لا تنتظروا عقد مثل هذه المجالس، لتبحثوا فيها عن إجابة لتساؤلاتكم، فإن كانت هذه التساؤلات مهمة، فإنه ينبغي عدم تأجيل البحث عن الإجابة .. وأضعف الإيمان -كما يقال- أن لا تتاح لكم مثل هذه الجلسات في القريب العاجل، ولا تحصلون على إجابة .. هذا من ناحية .. ومن ناحية أخرى، لا بد أن نتحرى عن الشخص الذي سيقدم لنا إجابة عن تساؤل ما، أو فهمًا لحكم معين، فنسأل عن مدى علمه، ومعرفته، وخبرته، بالإضافة إلى الاطلاع على سيرته .. فالبحث عن إجابة أمر يستحق الاهتمام، وبذل الجهد والوقت وإن لزم المال ..
أما حضرات السادة الذين يقدمون الفتاوى بالمجان، أرجوكم اتقوا الله في أنفسكم أولًا، وفي البسطاء من الناس .. لقد كان من سبقنا يطيلون سهر الليالي ويمدون السفر بالأيام، كي يحصلوا على معلومة ثانوية، في موضوع فرعي، لمسألة معينة .. وفي وقتنا الحالي هناك الكثير من الأفاضل الذين يصلون الليل بالنهار ليتفقهوا في العلم الشرعي، فتدارسوا القرآن، وتعلموا السنة النبوية الشريفة، وتثقفوا في القياس والاجماع، ثم اجتهدوا ليتخصصوا في مجال الافتاء .. هؤلاء من يطرق لهم الباب ..
أما من كان لديهم بنك من الإجابات الجاهزة .. والخيارات المطاطة .. المناسبة لكل زمان ومكان، والتي تصلح لكل شخص وأي حال، لا مرجع موثق تعتمد عليه، ولا اسناد ديني يدعمها ببينة .. ولا تثبت صحتها بحجة أو برهان .. فهؤلاء لا بد أن يسد في وجههم كل باب ..
وحتى نكون منصفين ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا .. نحن لا نعمم أبدًا .. فالأكيد؛ أن هناك نساء فاضلات .. يحملن رسالة، ويتمتعن بقدر جيد من العلم والمعرفة .. ويبذلن جهدًا مضاعفًا للاطلاع على القضايا المختلفة؛ وضوابطها وأحكامها، ثم يتحرين المصداقية في ايصال المعلومة بمقدار درايتهن وإلمامهن .. ولا يتجرأن على الإدلاء في ما ليس لهن به علم ..
يقول ربي تبارك وتعالى: "وَمَن أَظلَمُ مِمَّنِ افتَرَى عَلَى الله كَذِبًا أُولَئِكَ يُعرَضُونَ عَلَى رَبِّهِم وَيَقُولُ الأَشهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِم أَلَا لَعنَةُ الله عَلَى الظَّالِمِينَ" .. (هود: ١٨) ..




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :