يا ليته يسكت بقلم الدكتورة ميرفت سرحان


في واحدة من "الجمعات" النسائية .. صادفت إحدى السيدات، التي كانت تبدو مهمومة وحزينة .. وعندما رأتني، اقتربت مني .. وأخذت تقص علي مشكلتها .. قالت: يا دكتورة ابني صار عمره ثلاث سنوات، ولكنه لا يتكلم، ولا ينطق بكلمة .. وعندما بدأت أشرح لها عن خصائص النمو اللغوي، ثم عن مراحل النمو اللغوي لدى الأطفال، والفروق الفردية بينهم، ومشاكل النمو التي قد يواجهونها .. قاطعتنا احدى السيدات، التي كانت تستمع للحديث من البداية قائلة: "أي يي اتركيه، بكره بتحكي يا ريت يسكت، على قد ما رح يبرم" .. ثم توقفنا جميعًا عن الحديث في هذا الموضوع، إلى أن التقيت بالسيدة في مكان آخر ..
في نفس الجلسة السابقة، أثارت فضولي إحدى السيدات .. التي بدت لطيفة أثناء كلامها مع الآخرين، ودودة للغاية عندما تتعامل معهن، كما أنها نشيطة جدًا، فقد كانت تتنقل بين الحضور بشكل سريع، تتحدث مع هذه، وتستفسر من تلك .. وتقتحم حديث اثنتين، وتدلي برأيها، حتى لو لم يطلب منها ..
ولكن الملفت، الطريقة التي كانت تتحدث فيها مع السيدات .. فقد كانت تستهزئ بأسلوب حديث إحدى النساء، وبالمواضيع التي تتحدث بها أخرى .. وتسخر من تسريحة شعر واحدة، ولباس الثانية، وتستخف بمشاكل احداهن، وبالصعوبات التي تعاني منها الأخرى .. أما الملفت أكثر؛ أنها كانت تفعل ذلك وهي تمزح، وتضحك .. فصوت "قهقهتها" كان الطاغي على المشهد .. تداعبهن وتسخر منهن .. تلاطفهن وتتهكم عليهن .. تؤذي مشاعرهن، وتتسبب بإحراجهن، دون أن تهتم أو حتى يهتز لها جفن .. وأثناء مراقبتي لها تذكرت عبارة السيدة الأولى، وقلت في نفسي: يا ليتها تسكت ..
بعض الأشخاص، يستمتع عندما يستهزئ بالآخرين، وربما يستمد قوته عندما يقلل من شأنهم .. عندما تجالسه؛ تراه يتمادى بالسخرية في كل ما يتعلق بك، وبأدق تفاصيلك .. وفي كل مرة تقابله فيها، تراه يختار شيئًا معينًا ويركز عليه: فمرة يستهزئ بأسلوبك، والطريقة التي تتحدث فيها .. ومرة يسخر من لباسك، وتنسيق الألوان .. حتى شكلك لا يسلم من تطنزه .. ثم يتعمد أن يركز بسخريته على الأمور التي تعاني فيها من نقص حقيقي .. والمزعج أنه كمن يدس السم في السمن .. فتراه يفعل ذلك وهو ينظر بعينيه في عينيك، نظرة ودية بريئة، وهي في الحقيقة نظرة ماكرة خبيثة؛ يحاول من خلالها أن يرى على وجهك معالم الحزن والامتعاض، التي تحاول جاهدًا إخفاءها حتى لا تتعرض للاحراج، مقنعًا نفسك بأن ما يقوله مجرد مزحة، وأن عليك أن تتعامل مع الموضوع ببساطة .. ثم تشاركه ضحكته الصفراء، حتى لا تشعر بالإهانة .. ولسان حالك يقول: يا ليته يسكت .. وهذا أقصى ما يمكنك أن تفعله معه .. فهذا الشخص لا يختار في العادة إلا من هم أضعف منه: شخصية أو نفوذًا، فلا يملكون الرد أو الدفاع عن أنفسهم، وصد هذه الإساءة .. لذا عندما تتعامل معه حاول قصارى جهدك بأن تتركه قبل أن يتمادى في أذيتك .. ثم لا تسمح لحديثه أن يعكر صفوك، أو أن يغير مزاجك، فربما كان يتستر من عيوبه وراء السخرية منك ..
في بعض الأحيان، عندما نستغرق في التفكير بالآخرين "سلوكهم، وأقوالهم، وأفعالهم" .. قد تتكشف لنا بعضًا من عيوبهم وهفواتهم .. ومن حيث لا ندري يزداد تركيزنا على هذه الهفوات .. وهذا يجعلنا نعتقد لوهلة بأننا أفضل منهم، وأن من حقنا أن ننتقد عيوبهم، فيأخذ انتقادنا لهم منحى السخرية منهم ..
عندها مباشرة علينا أن نأمر هذه الأفكار بأن تسكت، وأن تتوقف عن استقصاء الآخرين، وزلاتهم .. فحالنا ليس بأفضل من حالهم ..

يقول الله تبارك وتعالى: "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسخَر قَومٌ مِّن قَومٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خيَرًا مِّنهُم ولَا نِسَاءٌ مِّن نِّساءٍ عَسَى أن يَكُنَّ خَيرًا مِّنهُنَّ .." .. "الحجرات: ١١" ..
وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ".. ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت .. " ..




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :