عنجهية ثقة بقلم الدكتورة ميرفت سرحان



ماما .. ماما .. نادتني بصوت عالٍ من بعيد .. خفت .. وركضت نحوها .. ماذا بك؟! .. ماذا حصل؟! .. قالت: أريدك أن توقعي لي ورقة الموافقة .. أريد أن أشترك في مسابقة الحديث الشريف، المسابقة بعد الغد .. ولكنك لم تحفظي شيئًا؟!، كيف تشاركين؟! .. لا بأس، لا بأس أنا "شطورة" يا ماما .. ولكنني أعرف أنك بالعادة تحتاجين وقتًا طويلًا للحفظ، وأن ما تبقى من الوقت غير كافٍ لأي طالب لم يبدأ بالحفظ مسبقًا؟! .. في هذه الأثناء، وخلال حديثي مع ابنتي، ودون موعد مسبق، دق جرس الباب .. فتحت؛ وإذا بها جارتنا الجديدة أم رباب .. ألقت عليّ التحية ودخلت .. طلبت منها أن تتفضل لغرفة الجلوس .. وإذا بها تتجه إلى المطبخ، فتحت الثلاجة تبحث عن قنينة ماء .. كتمت غيظي .. ناولتها واحدة .. ودخلنا غرفة الجلوس .. سألتني عن زوجي .. قلت: ليس بالبيت .. قالت: أين ذهب؟ .. غيرت الموضوع .. قالت: نادي أولادك كي أتعرف عليهم .. تفاجأت من الطلب .. غيرت الموضوع .. وقبل أن تخرج، اتجهت إلى غرفة نومي وهي تقول: أريد أن أرى الستائر، فأنا أجهز لبيتي، فإن أعجبتني اشتريت مثلها .. في صباح اليوم التالي ذهبت إلى مدرسة ابنتي، لأسأل عن موضوع المسابقة .. سمعت صوت صراخ المديرة مع احدى معلمات ابنتي .. وهي معلمة غير محبوبة بين زميلاتها، وشرحها متواضع .. وضبطها للصف ضعيف .. المهم .. ما استطعت أن أفهمه أن هذه المعلمة تعاتب المديرة لأنها لم تمنحها جائزة المعلمة المثالية لهذا الفصل الدراسي ..
يظهر البعض نوعًا من السلوك ينم عن ثقة عمياء "ليست واقعية" في قدراته .. أو حجة "باطلة" على مقدار معرفته ومعلوماته .. وقوة "غير شرعية" في اقحام فضوله على حياة الآخرين .. وتندرج جميعها تحت مسمى "الثقة بالنفس" ..
أعتقد أن هذا السلوك إن صدر عن الأطفال فهو يدل على جهل الطفل بقدراته .. لذا فهو بحاجة لمن يساعده على فهم قدراته الحقيقية، وإمكانية تنميتها .. وزيادة معرفته وصقل مهاراته ..
أما عند الكبار فأعتقد أنه أحد الحيل الدفاعية التي يستخدمها الشخص ليخفي ضعفه في جانب ما، أو تقصيره في مهمة معينة .. وكما يقال: "أتغدى فيهم قبل ما يتعشوا فيّ" ..
أما التطفل على حياة الآخرين فهذا اقتحام واضح لخصوصية شخص لم يتمكن من حماية ذاته .. لضعف تأمين باب ثقته بنفسه .. أو عدم تحصين حدود استقلاليته .. فتعرض لسرقة أسراره .. وانتهاك حرمة راحته ..
وبالتأكيد إن الثقة بالنفس خصلة حميدة .. وسلوك يعين صاحبه على تخطي الكثير من المهام واجتياز العديد من الصعوبات .. ولكن إن لم تكن هذه الثقة في محلها .. أي أنها لا توازي قدرات الشخص الحقيقة .. فهي حتمًا سوف توقعه في تحديات وخيبات متتالية .. أما إن انتهكت حقوق الآخرين، فهذه وقاحة .. لابد من تحجيم فاعلها عند قدره الحقيقي ..
أرى أن جميع ما ذكر لا يمت للثقة بالنفس بصلة .. إنما هو ضرب من ضروب الغرور .. ونوع من الاصرار على الباطل .. إن أصر عليه فاعله .. تقع علينا جميعًا مسؤولية وضعه عند قدره الحقيقي ..
قال تعالى: "وَلَا تَقفُ مَا ليَسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إِنَّ السَّمعَ والبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنهُ مَسئُولًا .." .. (الإسراء: ٣٦) ..




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :