في يوم الأب .. بقلم الدكتورة ميرفت سرحان



كانت دائمًا تتباهى بقوتها .. فهي فتاة رياضية من الطراز الأول .. تتمتع بلياقة بدنية عالية .. رشاقتها محط أنظار الجميع .. حصدت الكثير من البطولات وحازت على العديد من الجوائز والميداليات .. أما عن سر قوتها وأحد أهم أسباب نجاحها: أنها تتمتع بثقة عالية جدًا بقدراتها وإمكاناتها، التي لم تخذلها يومًا .. كما كان لديها يقين مطلق بأن ما تمتلكه من مهارات كفيل بإبقائها لآخر جولات أي منافسة مهما كانت شديدة .. وما كان يعزز هذه الثقة ويدعم استمراريتها، ما تمتلكه من تاريخ عريق من الخبرات والتجارب .. كما لم يراودها الشك يومًا بأن لديها بنك من المعلومات والمعارف كفيل بدعم نجاحها للوصول إلى نهاية كل مسابقة ..
بقيت الفتاة على هذا الحال إلى أن تعرضت لحادث مؤلم .. ألزمها الفراش .. وبعد فترة من المرض .. جاءها الطبيب، وقال: لقد أصبت بكسر في الظهر .. سوف يجعلك تعانين من ألم دائم .. ولن تستطيعي ممارسة حياتك الطبيعية كما كنت تفعلين في السابق ..
قالت: أليس هناك حل؟! .. ألم يتقدم الطب؟! وعلم الدواء تطور؟! .. قال الطبيب: بلى .. ولكن بعض الكسر يا ابنتي لا يجبر، مهما تقدم العلم وتطور .. لذا عليك باستخدام السنادات عند الحركة، والراحة قدر الإمكان، وتناول بعض المسكنات .. ثم قد تحتاجين لدعامة للظهر، والحقن ببعض الإبر للحيلولة دون أن يزداد ضعف الظهر، ويشتد الألم ..
تبقى الفتاة بكامل قوتها حتى لو كانت ضعيفة البنية .. وتظل تتمتع برشاقتها حتى لو كانت ممتلئة الجسد .. وتستمر بالتباهي بحسنها حتى لو كانت متواضعة الجمال .. وتواصل التصرف بثقة حتى لو كانت معلوماتها ضئيلة، ومعرفتها قليلة .. وتظهر عليها علامات السعادة حتى لو لم يحالفها الحظ في بعض الجوانب .. تبقى الفتاة كذلك ما دام والدها إلى جانبها .. فهو مصدر قوتها الذي يمدها بالطاقة .. وسبب ثقتها بنفسها وقدراتها .. وهو ينبوع دعمها الذي لا يجف .. وبنك معلوماتها الذي لا ينفذ .. وسندها الذي مهما مالت عليه لا يشكو ولا يتعب ..
فإذا غاب والدها عنها .. يضعف قلبها .. ويتخلخل ميزان الأمان لديها .. وتتزعزع ثقتها بقوتها .. ويُكسر ظهرها .. ولأن الكسر في حدود علم البشر لن يجبر .. كان لابد لها من الاستعانة بطب إله البشر .. ليزودها بجبيرة تربط على قلبها، فتعينها على تحمل وجع البُعد .. ويمددها بإبر السكينة لتساعدها على التعايش مع جرح الرحيل .. ويصرف لها مسكنات الصبر لتخفف من ألم الفراق ..

يقول ربي تبارك وتعالى: "وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا" .. (الإسراء:٢٣-٢٥) ..




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :