"خذوهم بالصوت" بقلم الدكتورة ميرفت سرحان



التقيت بصديقة قديمة، لم أرها منذ فترة .. عزمتني على فنجان قهوة .. وبعد أن تبادلنا أطراف الحديث .. صمتت قليلًا، وتنهدت .. ثم قالت لي: أتعلمين أن هذه الدنيا أصبحت غريبة جدًا؟! .. قلت لماذا؟! .. قالت بالحرف الواحد: "يختي الناس بتترجاكي ما تحترميها" .. دهشت لما قالت، وسألتها: كيف ذلك؟! .. قالت: كما تعرفين فإن عملي كمديرة لسنوات طويلة جعلني أتعرف على أصناف متنوعة من البشر .. كما جعلني أتعرض لمواقف شتى .. في أول حياتي العملية كنت ودودة مع الموظفين، ولطيفة مع المراجعين .. وهذا جعل الموظفين يستغلون طيبتي، فقد كانوا يتملصون من المهام الكثيرة التي تطلب منهم، فإما أن لا يؤدوها بالشكل المناسب، أو لا يؤدونها أبدًا .. كما أنهم كانوا يستجدون عطفي بادعائهم لظروف وأحوال وهمية فيتأخرون عن الدوام تارة، ويغادرون في منتصفه تارة أخرى، ويتغيبون أحيانًا كثيرة ..
عداك عن أن مخالطة الناس بعيدًا عن نطاق العمل لم تكن أفضل حالًا .. في الشارع، في المطعم، في السوق، وفي أي مكان .. إذا احترمت الآخرين، فإنهم سيظنون فيك أحد أمرين .. إما أنك تحتاجين منهم شيئًا ما، أو أنك ضعيفة مسكينة .. فإذا كنت محتاجة لهم فسوف يستعلون عليك، ويتململون منك .. أما إن كنت ضعيفة فسوف يتكبرون عليك، ويقللون من شأنك ..
أما أكاذيب التهذيب من مثل: لو سمحت، شكرًا، عذرًا، وغيرها .. ما هي إلا إشارات للخيبة ومظاهر للإنكسار ..
لذلك، بعد أن مرت علي الأعوام وأنا على هذا الحال .. قررت أن أغير أسلوب تعاملي مع الآخرين .. فقد صرت أكثر وعيًا بنفوس البشر، وأكثر دراية بأساليبهم .. وخذيها مني نصيحة: إن أردت أن يحترمك الآخرون، فما عليك إلا أن ترفعي صوتك، "حتى لو بدك تطلبي شغلة شخصية الك، ارفعي صوتك، الناس بتخاف من الصوت العالي، وعشان يحسبولك حساب، لا تعطيهم عين"، يعني لا تضحكي معهم، ولا حتى تبتسمي لهم، حتى لو قدموا لك معروفًا، أو صنعوا لك خدمة ..
قلت لها: يا لطيف، يا لطيف .. لماذا كل هذا التحامل على الناس .. ألسنا منهم؟! ألست أنت واحدة منهم؟! .. قالت: ومن قال لك أنني أفضل منهم؟! .. فأنا كلما زادت مخالطتي لهم .. ازداد اطلاعي على أحوالهم .. وازداد فهمي لأفعالهم وأقوالهم .. وكلما ازدادت عشرتي لهم، يزداد تعرضي لأذاهم .. فينمو سخطي عليهم، ويتأكد قراري بأنني لابد أن أتطبع بطباعهم ..
قلت: ولكنك تعممين، وهذا إجحاف، فالحياة كما فيها أشخاص يسيئون التصرف، فهناك هناك أشخاص أخلاقهم حميدة وأفعالهم حسنة، هذا أولًا .. ثانيًا: ينبغي علينا أن لا نرد الإساءة بالإساءة .. ثم الأهم من هذا وذاك، أننا ضيعنا الوسطية في التعامل، فمن قال أننا يجب أن نكون إما مغفلين أو أن نستغفل الآخرين ..
قالت: أرجوك تناسي المثالية قليلًا .. نحن نعيش في غابة .. البقاء فيها للأقوى .. لا لا، بل للأعنف .. وصدق المثل القائل: إن لم تكن ذئبًا أكلت الذئاب .. "والأقوى هو الي بتغدى بالناس قبل ما يتعشوا فيه" ..
قلت: أنا لا أرفع شعارات، ولا أدعي الكمال .. ولكن إن سمحنا للشر أن ينمو ويكبر، بحجة أنه موجود أصلًا، وأجزنا للأذى أن يعم وينتشر بحجة أن الكل مراوغ ومتحايل .. وإن لم نسع لإيجاد طريقة نصلح فيها أسلوب تعاملنا مع بعضنا البعض، أو نبحث عن خطة تحد من مشاعرنا السلبية اتجاه الآخرين .. فلا شك أننا جميعًا خاسرون، .. فكما أنك لا يمكن أن تقع في البحر دون أن تبتل .. لا يمكن أن تعيش بين الأذى، دون أن تتعرض له .. لذلك أرى أنك على أقل تقدير إن لم تسع لتصوب، فلا تقبل الخطأ، ولا تضيع طاسة الحق لتسمح للباطل أن ينتصر ..
ولا يهمني ما قال البشر من أمثال، وما توصلوا له من أقوال ..
فكلام الله تعالى وقف، ومنهجه حق ..
وصدق ربي إذ قال:
"وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" .. (سورة فصلت) ..




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :