"كلنا غلابة" بقلم الدكتورة ميرفت سرحان




كان يومًا طويلًا وغريبًا .. ابتدأ عندما كنت أحتسي قهوة الصباح وأطالع الأخبار؛ فوقعت عيني على صورة لفتى أعرج يحمل عكازه تحت أحد إبطيه، ويجر بيده الأخرى كرسيًا متحركًا يجلس عليه أحد أصدقائه ..
وبعد ساعة .. طرقت بابي إحدى صديقاتي القدامى .. وبعد أن رحبت بها، وجلسنا وأنهينا حوار الطقس، والغلاء، والأزمة .. أخذت تحكي لي عن ما جد في حياتها .. وسردت قصة معاناتها مع مرض ابنها -وهو من ذوي الإحتياجات الخاصة- حيث تكلفة العلاج العالية، وعدم وفرة المدارس المختصة بهذه الحالات، وصعوبة التعامل مع الطفل، وتنمر الأقارب، وتذمر الأب .. أخذت تبكي بحرقة .. ولم يكن بيدي حلية إلا أن أواسيها .. وقبل أن تغادر بدت سعيدة، وأكثر راحة مما كانت عليه عندما حضرت إلي .. ثم شكرتني لأنني استمتعت إليها ..
أخذت سيارتي وذهبت إلى "المول" .. وهناك صادفت إحدى قريباتي .. وبعد الحديث عن الأزمة، وحرارة الطقس المرتفعة، بدأت تشكو قسوة زوجها، وكيف يقسو أبناؤها عليها، وهذا جعلهم لا يحترمونها، ولا يقدرون تعبها، ولا يطيعون أوامرها .. وأخذت تبكي بحرقة .. واسيتها لأخفف عنها .. قالت: لا أعرف كيف أشكرك، لقد عطلتك وأخذت من وقتك .. ولكن صدقيني لقد شعرت براحة كبيرة عندما تحدثت معك، وغادرت وهي مسرورة ..
وفي المساء كنت معزومة على العشاء .. وهناك التقيت بأحد الشباب .. وعندما جلست معه، وبعد أن تحدثنا عن كأس العالم وعن استضافة دولة عربية لحدث مثل هذا، وتبعات هذه الإستضافة .. بدأ يتكلم عن نفسه .. وذكر لي عن معاناته في البحث عن عمل، خاصةً وأنه قد تخرج حديثًا من الجامعة، وبتخصص ليس مطلوبًا في سوق العمل .. وأن الوضع المادي للعائلة لم يعد كالسابق، وأن التزامات والده تزداد يومًا بعد يوم وهو لا يريد أن يضيف عبئًا آخر على والده .. حاولت أن أطمئنه وأسدي له بعض النصائح .. شعر الفتى بالإمتنان، وشكرني لأنني استمعت له، وبدا سعيدا حين غادر ..
أعتقد أن كلا منا يحمل في قلبه همومًا شتى .. سواءً على صعيد الأسرة وطبيعة العلاقات بين أفرادها، ومتطلبات البيت ومستلزماته المادية والاجتماعية، والصحية، وغيرها .. أو على صعيد العمل ومقدار ما يلبيه من أهداف وطموحات، وما يحمله من تحديات؛ كمكان العمل، وطبيعة المهام المطلوبة، وشخصيات الزملاء المتنوعة، وغيرها .. وحتى على المستوى الشخصي؛ كأن يكون لك سيارة توفر عليك عناء التنقل من مكان لآخر، أو هواية تمارسها فتشعرك بالإرتياح بعدما تقوم بها، وغيرها .. عداك عن متطلبات الحياة المختلفة التي أصبحت كثيرة ومتعددة ومتنوعة؛ فحولت كل ما كان يعد سابقًا من الكماليات إلى ضرورة من ضروريات هذا الوقت؛ كالهاتف المحمول، والإنترنت، وغيرها مما لم يعد من الممكن الإستغناء عنه فأضافت عبئًا على عبء ..
لذا .. في ظل أعباء هذه الحياة التي أثقلت ظهورنا جميعًا، فأضعفت قدرتنا على تحمل المزيد من الهموم، واستنزفت جهودنا في محاولة لملمة مشاعرنا المبعثرة بين الواجبات والأحزان، وخلخلت ميزان طاقتنا في التعامل مع مشاكل وصعوبات الحياة -وإن كان بالتأكيد بتفاوت فيما بيننا- أرى أنك إن وجدت في منتصف الطريق من تشكو له همك، وتبوح إليه بحزنك، وتستند عليه بظهرك، وتؤمنه على سرك .. فتمسك به بكلتا يديك "قلبك وعقلك" .. واشعر بالامتنان نحوه، فحاله يشبه حالك .. ومع ذلك، فقد حمل ألمه تحت أحد إبطيه ليجر معك عربة ألمك في يده الأخرى ..
يقول الله تبارك وتعالى في سورة "التوبة الآية: ٧١":
﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :