الخير بقلم الدكتورة ميرفت سرحان




وأثناء الاستراحة .. اجتمع عدد من الموظفين للاستمتاع باحتساء القهوة .. دارت بينهم مجموعة من الأحاديث حول مواضيع مختلفة، إلى أن وصلوا لموضوع صنع المعروف وعمل الخير مع المحتاجين أو الضعفاء أو المساكين وغيرهم، وكيف أن هذا العمل يتسبب لصاحبه بالغم والعناء .. أخذ كل منهم يسرد حكاياته الخاصة مع عمل الخير؛ فتلك السيدة رندة تقول: لقد تعاطفت مع حال أرملة مسكينة وصرت أبعث لها مبلغًا من المال كل فترة .. فأصبحت تهاتفني بشكل متواصل، فمرة تريد مبلغًا من المال لدراسة ابنتها، ومرة تأتي لمنزلي لأن ابنها مريض، ومرة ومرة .. ولم تتوقف عن الاتصال بي حتى حظرت المكالمات الصادرة عنها .. أما السيد بلال؛ فذكر قصته عندما وجد رجل ملقى في الشارع وأخذه إلى المستشفى، فتعرض لسين وجيم، ودخل في تحقيق طويل .. وأما هنادي فتحدثت عن قصتها عندما أردت أن تصلح بين اثنتين من زميلاتها، فوقعت بمشكلة مع احداهن وانقطعت علاقتها بها على إثر تلك المشكلة .. وخلص الجميع إلى اجماع بأنه يجب التوقف عن عمل الخير أو صنع المعروف مع الآخرين .. فهذا العمل لا يعود على صاحبه إلا بالهم والتعب ..
مما لا شك فيه أن عمل الخير قد لا يكون بالأمر الهين، فهو يأخذ من وقت وجهد فاعله، وأحيانًا من ماله، وقد يتعرض للخطر في أحيان أخرى .. وبالتأكيد أن هناك بعض الأشخاص ممن قد يقابل الإحسان بالإساءة، أو أنه قد لا يقدر المعروف الذي صنع معه ..
لكن اليقين؛ بأن المشكلة ليست في صنع الخير أو عمل المعروف .. فعمل الخير فضيلة وصنع المعروف من الإحسان .. ولا يمكن للشر أن يكمن في الإحسان ولا بأي حال من الأحوال، هذا من ناحية ..
ومن ناحية أخرى، فإن الخير يعود بالنفع على فاعله قبل أن ينفع متلقيه .. فبعيدًا عن الآجر .. إن صنع المعروف يمنح صاحبه الفرصة لتذكر مدى النعم التي يمتلكها وجهل فضلها لأنه اعتاد وجودها، وهذا يمنحه الفرصة لأن يتذكر شكر هذه النعمة، وأن لا يغفل عن الاستمتاع بها ..
إلا أن الغريب في الموضوع؛ أن العديد من الممارسات اليومية في حياتنا تعود علينا بالكثير من الضرر .. ومع علمنا بمدى ضررها إلا أننا لا نقاطعها، ولا نقرر أن نفعل ذلك، ولا نطلب من الآخرين أن يقاطعوها .. فعلى سبيل المثال: إن كثيرًا ممن يدخنون يعلمون جيدًا مدى ضرر التدخين ولكنهم لا يقررون الإقلاع عنه، ولا يحثون غيرهم من المدخنين للإقلاع عنه .. وكمثال آخر فإن كثيرًا من مدمني مواقع التواصل الاجتماعي يعلمون مقدار الجانب السيء فيها إلا أنهم لا يقاطعونها، ولا يقررون فعل ذلك، ولا يطلبون من غيرهم أن يقاطعها .. مع العلم أن كلاهما: التدخين ووسائل التواصل الاجتماعي، فيهما من هدر الصحة والوقت والمال ما لا يستهان به ..
أعتقد أن جل الموضوع يتعلق بفكر يستهدف اغتيال الخير .. من خلال رميه بسهم موجه بدقة لينتزع منه قلبه الذي يحتوي على الرأفة بين الناس .. ثم التمثيل فيه، وتشويه روحه التي تحمل الرحمة بينهم ..
فإذا كانت حجة من يحارب عمل الخير بأنه يحتاج إلى المزيد من الوقت أو الجهد أو المال .. فإن كل الأعمال التي نقوم بها، حتى الترفيهية منها تحتاج إلى كل ذلك .. وإن كانت حجتهم أننا قد نتعرض للضرر مِن مَن نصنع معه معروفًا، فإن الكثير من الناس قد يتسببون لنا بالأذى وبدون مبرر واضح لذلك ..

عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "أَحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفعُهم للناسِ، وأَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سرورٌ تُدخِلُه على مسلمٍ، تَكشِفُ عنه كُربةً، أو تقضِي عنه دَيْنًا، أو تَطرُدُ عنه جوعًا، ولأَنْ أمشيَ مع أخٍ في حاجةٍ؛ أَحَبُّ إليَّ من أن اعتكِفَ في هذا المسجدِ يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا، ومن كظم غيظَه ولو شاء أن يُمضِيَه أمضاه؛ ملأ اللهُ قلبَه يومَ القيامةِ رِضًا، ومن مشى مع أخيه في حاجةٍ حتى يَقضِيَها له؛ ثبَّتَ اللهُ قدمَيه يومَ تزولُ الأقدامُ".




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :