"بس لو" بقلم الدكتورة ميرفت سرحان


عمانيات - وعدت احدى السيدات ابنها أن تأخذه إلى مدينة ألعاب كبيرة جدًا، إذا نجح في الامتحان .. وعندما ذهبا لتلك المدينة .. دُهش الطفل من ضخامة المكان، والتنوع الشديد في الألعاب .. إلا أنه سار باتجاه واحد، وجرب كافة الألعاب الموزعة على هذا الاتجاه .. حاولت والدته أن تلفت نظره إلى الألعاب الأخرى الموجودة في المدينة، إلا أنه أصر أن يتابع سيره في ذات الاتجاه .. بعد يومين التقى الطفل بمجموعة من أصحابه، وحدثهم عن مدينة الألعاب، وكانوا قد زاروها من قبل، وأخبروه عن مدى استمتاعهم بألعاب معينة .. إلا أن الطفل شعر بالخيبة لأنه لم يشاهد تلك الألعاب بالأصل ..
مساء الأمس .. خرجت إلى الحديقة المجاورة لبيتي .. تمشيت داخل الحديقة التي كانت ممتلئة بالناس، ووقع سمعي على عدد من أحاديثهم .. وبعيدًا عن المناقشات التي كانت تدور بينهم حول هموم الحياة، وكثرة متطلباتها، وضيق الحال، ومشكلات الأطفال، وغيرها ..
فقد كان هناك تكرار واضح لاحدى العبارات التي تداولها معظم من كان في الحديقة ..
احدى السيدات كانت تحدث رفيقه جالستها عن أحد الأشخاص: "يا الله ما أطيبه بس لو يصير يهتم بلبسه شوي!!" .. أحد الأطفال كان يلعب مع أصدقائه، ودار بينهم حديث عن الملابس التي يرتديها كل منهم؛ فقال: "ماما اشترت لي هي اللبسة امبارح، بس يا سلام لو اشترت "البوط" كمان!!" .. كان هناك شاب يجلس مع فتاة، فقال لها: "بتعرفي لو إنك بس أطول شوي، كان أنتِ أحلى وحدة بينهم!!" .. وهناك شابان يبدو أنهما صديقين؛ قال أحدهما للآخر: "والله شغلي سهل والراتب جيد، بس لو هالنكد خالد يطلع من الشركة!!" ..
في كثير من الأحيان نتعامل مع حياتنا تمامًا كما فعل طفل مدينة الألعاب .. نراها من زاوية واحدة وباتجاه واحد .. ناسين أو متناسين أنها مليئة باتجاهات عديدة .. اتجاهات تفوق الاتجاهات الأربعة .. والغريب أن الاتجاه الذي نركز عليه أو نستغرق فيه؛ هو ذلك الذي نشعر فيه بالضعف أو يراودنا فيه احساس بالنقص .. ولا ندرك أن هذا الاستغراق في التركيز على ما ينقصنا سوف يؤثر على حياتنا في جانبين:
الجانب الأول: أن هذا التركيز سوف يبث في أرواحنا نوعًا من الحزن وشيئًا من الألم .. لأننا نسعى في الغالب نحو المثالية في العلاقات، ونتمنى في العادة الوصول إلى الكمال في الأعمال .. وهذا ضرب من المحال ..
الجانب الآخر: أن هذا التركيز سوف يمنعنا من رؤية زوايا أخرى في حياتنا قد تكون مصدرًا للفخر أو باعثة للسرور ..
و"بس لو" ركزنا أكثر على هذه الزوايا .. فإنها سوف تبث في أرواحنا سعادة قد تغنينا عن تلك التي تخيلنا أننا سوف نشعر بها لولا وجود ذلك النقص ..
و"بس لو" نعرف أن عطايا الله لنا كلها هدايا .. قد لا يُغلفُ بعضها بورق مزركش، فنحس بوجود نقص ما في هذه الهدية، وقد نشعر بأنها ليست ذات قيمة؛ ولهذا لم يتم تغليفها .. فنزهد فيها؛ حتى قبل أن نعرف ما بداخلها .. لكن؛ لو أمعنا النظر فيها جيدًا فسوف ندرك أنها ثمينة بما يكفي؛ ولا تحتاج إلى تغليف أصلًا ..
و"بس لو" نعرف أننا لو امتلكنا كل شيء، أو أن يكون كل ما نمتلكه كاملًا .. فلن يبقى لسعينا في هذه الحياة معنى أو قيمة ..
وأنه لا ينبغي أن نمتلك كل شيء حتى نشعر بالسعادة .. يكفينا أن نشعر بالامتنان لما نملك حتى ندرك على الأقل معنى الراحة ..

يقول ربي تبارك وتعالى:
"وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" .. (سورة البقرة، آية: 216) ..




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :