مشاعر .. مبالغة بقلم د . ميرفت سرحان



قبل يومين .. كنت أشعر بالتعب .. فقلت لنفسي: ما أن أصلي العشاء حتى أخلد للنوم .. تمددت على الأريكة في انتظار الأذان .. لكن يبدو أن التعب غلبني فغفوت .. وما لبثت أن أنام حتى أفزعني اهتزاز في المنزل يشبه الزلزال وصوت كالصاعقة يكهرب كل ما يقع في طريقه .. بعد ثوان أدركت أن الصوت لم يكن إلا قرع طبول الجيران بسبب عقد قران ابنتهم .. قبل هذه الحادثة بيوم؛ كان جيراننا في الناحية الثانية قد استمروا في اطلاق المفرقعات الصوتية لمدة ساعة كاملة لأن ابنهم حصل على معدل خمسة وسبعون في المئة في الثانوية العامة .. أما جيراننا في الجهة المقابلة فقد شغلوا "الديجيه" .. الذي زلزل صوته الحي بأكمله .. في حديقة منزلهم؛ بسبب عيد ميلاد حفيدهم ..
في هذه الدنيا أحداث كثيرة، ومواضيع متنوعة، ووقائع جمة، وأشياء متعددة .. وتتسم جميعها بأن منها السعيد والمفرح .. ومنها الحزين والمؤلم .. وهذا حال الدنيا، منذ بدء الخليقة إلى يوم البعث .. ونحن نختلف فيما بيننا؛ في طريقة تعبيرنا عن سعادتنا أو حزننا أو وجعنا .. أو أيًا كانت مشاعرنا ..
لكن الغريب الذي يستوقفني هنا .. وجعلني أتسأل: هل نحن بحاجة إلى هذا الكم الهائل من الصخب والبذخ والزينة؟! .. والمغالاة في التعبير عن سعادتنا بمناسبة معينة أو حادثة أقل ما يقال فيها أنها أمر عادي، وروتيني يومي؟! .. أو حتى أنها مرحلة عبور لمرحلة جديدة؟! .. هل نحن مضطرون لإقلاق راحة الآخرين أو ازعاجهم أو تعكير مزاجهم، حتى نعبر عن فرحتنا؟! .. هل يتوجب على من لديه حالة وفاة أن يؤجل شعوره بالألم ويغلق أذنيه حتى ينتهي صوت نعيق الطبول؟! أو يتوجب على من يتوجع أن يؤخر احساسه بالألم، حتى تتوقف سذاجة أصوات الأغاني الصاخبة؟! .. أو حتى من يريد أن يخلد للراحة بعد يوم عمل شاق، هل يلزمه أن يؤخر راحته حتى يُؤذن لضجيج المتفرقعات بالخرس؟! ..
أتسأل!! .. هل نحن فعلًا بحاجة إلى بذل هذا الكم من الجهد حتى نظُهر سعادتنا أو نُعبر عن فرحتنا؟! ..
أرى أن هناك كثير من الأشياء البسيطة في هذه الحياة، كفيلة بادخال السرور في قلوبنا .. كما أن هناك العديد العديد من الطرق والأساليب البسيطة التي يمكن أن نعبر فيها عن سعادتنا:
ابتسامة من القلب .. نظرة رضا .. شعور بالطمأنينة ..
ضم وتقبيل من نحب .. كلمة شكر لهم .. هدية متواضعة أو حتى ثمينة ..
العطف على مسكين .. ادخال السرور على قلب محروم ..
أرى أن مجرد التفكير في الآلية التي سوف نعبر بها عن فرحنا، وانتفاء التلقائية في التعبير عن مشاعرنا، سوف يجعلنا كمن يسير في متاهة؛ ما أن يدخل الباب حتى يلهث باحثًا عن المخرج .. وما كان يلزمه منذ البدء أن يدخل هذا الباب ..
هذا ما فعلته بنا ثقافة الصخب، التي أصبحنا نعاني منها أية معاناة .. أعتقد أن هذه الثقافة ما هي إلا مرآة تعكس أفكار عقيمة عن الفرح .. ومشاعر خاوية من الواقعية.. وسلوكات فارغة من أي معان للحضارة ..

يقول الله تبارك وتعالى في (سورة البقرة:):
"وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ .." ..
وفي (سورة القصص: 77):
"وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ.." ..




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :