الاستقرار لعنة تاريخية بقلم: عمر عبدالعزيز الحباشنة




(الفكر الواقعي و الفكر المتماهي مع الواقع)
هناك فرق بين الفكر الواقعي و الفكر المتماهي مع الواقع.
الفكر الواقعي هو في صلبه مؤمن بعملية التغيير التي تمر على المجتمعات و الدول و بعيد كل البعد عن البراغماتيه و الميكافيللة، فهو مؤمن بدورة حياة الدول و خصوصية المجتمعات و تغير سلوكيات الفرد الواحد رغم انتظامها و مؤمن بضرورة العقد الإجتماعي و تطويره في السياق التاريخي و ضرورة التقدم العلمي و ضرورة التنافس الإقتصادي بعيدا عن السوق الحر.
و من مزايا الفكر الواقعي أنه يراعي ضرورة تكافؤ الفرص بين الأشخاص و حقيقة تفاوت الكفاءات و الأهم أنه يراعي ضرورة تناقل الثروات بين الطبقات و عدم الإحتكار للثروة في طبقة واحدة أو عدة شركات أو أشخاص كم يحدث الآن في العالم.
الفكر الواقعي يؤمن بأن الدولة في أصلها منتج بشري لخدمة الإنسان على عكس ما يحدث في العالم حيث أن الإنسان و حتى المفاهيم الإنسانية في خدمة مجموعة دول و مجموعة شركات و مجموعة أشخاص.
فالأصل أن الدولة لخدمة الإنسان و الإنسان في خدمة الدولة، و ليس الإنسان في خدمة الدولة فقط، و هذا يحدث بشكل واضح جداً في العالم الثالث للأسف بسبب سياسات الدول الكبرى المسيطرة على الإقتصاد بالدرجة الأولى.
هذا بالنسبة للفكر الواقعي.
أما الفكر المتماهي مع الواقع فهو قائم بالدرجة الأولى على الثبات و عدم التغيير، و التغيير إن حدث يحدث تحت عناوين براقة خالية من مضمون التطوير الحقيقي للإنسان، و للأسف المتماهين مع الواقع يخطئون و يظنون أنهم واقيين، و لكن ثمة فرق كبير.
الأصل هو الحركة و ليس الثبات في سنن الكون، و حالة الثبات قد تحدث لسنة أو مئة سنة أو أكثر لكنها لا تستمر و لا تفيد العمق الحقيقي للإنسان و أسباب وجوده سواء دينية أو فكرية أو أي معتقد كان.
برأيي حتى الماركسية رغم عنايتها بالإنسان على عكس الرأسمالية سعت نحو حالة من الثبات و الإستقرار في بناء مجتمع خالي من التنافس و يسبب ذلك الكسل للفرد بعد أُلفة الدولة و الموارد.
و الرأسمالية لا تضمن شيء بقدر ما تضمن جوع مجتمعات لصالح مجموعات من البشر.
ما يوصف لدى دول العالم الثالث بالمواليين لا يوجد في الدول المتقدمة، فلا تجد مواليين بتلك الأعداد "الضخمة" للزعيم بقدر ما هم منتميين للوطن أو المشروع الذي يطبقه الزعيم، أولئك المواليين في العالم الثالث مهما علا فكرهم أو "سابق فكرهم" من حزبيين أو مفكرين، فهم ركنوا لحالة الثبات بعد أن دخلوا في عقدة المثقف لتأمين شهواتهم في السلطة و المال و ما إلى ذلك، و في الحقيقة مجرد دخولهم في أزمة و عقدة المثقف فهم فقدوا ركن أساسي من السنن الحياتية في الثقافة و هي ضرورة التطوير و التغيير في واقعهم، و من لم يستطع من هذه الفئة (المواليين) على التطوير و التغيير على الأقل لو ركن لإصلاح نفسه و خاصته أفضل له من التماهي مع واقع إجتماعي و دولي و إقتصادي و حتى ديني لكن غير إنساني.
قال الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه و سلم : إذا رأيتَ شُحّاً مُطاعاً، وهوىً متبَعاً، ودنيا مؤثرة، وإعجابَ كل ذي رأي برأيه، فدع عنك أمرَ العامة، وعليكَ بخاصة نفسك.
لذلك تجد الواقعيين العقلانيين مختبئين و مصلحين لخاصتهم فقط، ليس جبناً و لكن لا يرون مكاناً مسموعاً بين الناس.
فالواقعية من أساساتها التغيير و الحركة و التماهي مع الواقع من أساساته السكون و الثبات، و أعتقد أن من يُسقط سنة التغيير يَسقط.
و مثال على ذلك الدولة الأموية عندما بدأت بالاستقرار انهارت لأنها لا تملك جديد، الدولة العثمانية عندما استقرت انهارت، و على نطاق الدول الاستقرار يجلبه الحكام الذين ألفوا السلطة و نعمتها و لم يدركوا مخاطرها مثل المؤسسين للدول، لذل الجمهوريات اكثر ثبات لأن كل رئيس يعرف كمية خطر السلطة و انهيار الدولة لأنه يخوض معركة انتخابية كل عدة سنوات و بطبيعة الحال لا ينطبق الحال على جمهوريات العالم الثالث.
و كما قال العالم الألماني اليهودي آينشتين"الحياة مثل قيادة الدراجة يجب أن تتحرك لتحافظ على توازنك" ... فالحركة و التوازن مترابطان.
و برأيي لم يضع الله تعالى آلية للحكم أو الدولة في كتابه العظيم بشكل واضح و تركها للاجتهادات البشرية و سنن الكون و طبيعة المجتمعات لأن الحكم و الدول متغيرة و غير ثابتة ما دام التاريخ و الإنسان.
و السؤال الذي أطرحه:
متى سنصل كعرب أو كمسلمين لمرحة ندرك و نقوم بها بالتغيير؟ هل هذا متروك لصراعات الدول العظمى عند قضائها على بعض؟ أم بالإمكان القيام بالتغيير من صميم الثقافة العربية و الإسلامية؟
متى سنتغير و نغير؟ أم هو الثبات و الذل الأبدي و لعنة التاريخ؟




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :