هَوِّنْ عَلَيْكَ .. بقلم : الدكتورة ميرفت سرحان ..


عمانيات -
جاءتني منهارة .. وتبكي بحرقة .. وبعد أن هدأت .. ذكرت لي قصتها؛ والتي تلخصت بأن صديقتها الحميمة قد خطفت منها خطيبها، وأنهما على وشك الزواج ..
وبعد أن أنهت سرد أحداث القصة .. قالت لي: أتعرفين أن أكثر ما يؤلمني ليس ارتباطهما .. ولا حبي للشاب .. ولا علاقتي مع صديقة عمري .. إنَّ أكثر ما يوجعني هو أنني، أنا من عرَّف كلاهما بالآخر .. أنا سبب ارتباطهما .. أنا مَن سمح لهذه العلاقة أن تنشأ، أنا السبب في كل هذا الألم الذي أعاني منه ..
وبعد أن فرَّغت الفتاة مشاعرها، وأنهت حديثها ..
قلت لها: بعيدًا عن اصدار أي أحكام لِمَ فعلته ..
فإن كان هذا فعلًا هو ما يؤلمك .. أريدك بداية أن تستمعي لهذه القصة التي ذكرتها لي إحدى السيدات قبل سنتين أو أكثر قليلًا ..
وبدأت أنا بسرد القصة للفتاة، كما ذكرتها لي تلك السيدة ..
قالت السيدة:
تعب ابني فجأة .. وارتفعت حرارته .. وأخذ يبكي من شدة الألم .. ولأن الوقت كان حينذاك متأخرًا .. وأغلق الأطباء عياداتهم .. أخذت الطفل إلى طوارئ المستشفى .. وجلست أنتظر دوري .. في هذه الأثناء .. سمعت بكاء وصراخ سيدة، وقد كانت تستنجد بأي أحد حتى يساعد ابنها الشاب .. وقد كانت تنوح قائلة: إنه يختنق أرجوكم ساعدوني .. سوف يموت .. وعندما سألها أحد المسعفين عمّا جرى للشاب قالت: لقد كان يأكل، ثم أخذ حبة كرز ليأكلها، إلا أنها علقت في حلقة .. ولم نستطع اخراجها .. وبدأ وجهه يميل للشحوب والزرقة، وانقطع نفسه .. أرجوكم ساعدوه .. حمل المسعفون الشاب على سرير الطوارئ، وركضوا به باتجاه غرفة الطوارئ .. وبعد أن تجاوزوا باب الطوارئ باتجاه الغرفة .. صدرت من الشاب كحةً شديدة، أخرجت الكرزة من حلقة .. وطارت في الهواء .. ثم تدحرجت على الأرض .. إلى أن وصلت إلى باب الطوارئ .. في هذه الأثناء دخل شاب أخر برفقة والدته المريضة .. وقعت عيناه على الكرزة .. وهو بطبيعة الحال، لا يعرف شيئًا عن قصتها، فقد حضر للتو .. أخذ الشاب الكرزة ثم مسحها بيده، وأكلها ..
انتهت القصة ..
ثُمَّ قلت للفتاة: فهوني عليكِ يا عزيزتي .. ما نحن إلا أسباب .. فقد نكون سببًا في سعادة، أو رزق أحدهم .. أو نقل السعادة أو الرزق إلى آخر، أو حمل سبب الرزق والسعادة إلى غيره .. كما قد نكون سببًا في تعاسة أو خسارة غيرنا، أو أن ننقل لهم التعاسة والخسارة، أو نحمل سبب الخسارة والتعاسة لهم .. وفي كل الظروف؛ قد نكون مخيرين فيما نفعل، وقد نفعل ذلك رغمًا عنا، أو دون قصد مسبق منَّا .. كما قد ندرك أننا نفعل ذلك، وقد يمر وينتهي دون أن نعرف أننا سببنا فرحًا أو حزنًا لغيرنا ..
إنَّما الأكيد .. أننا في الأحوال كلها أسباب .. مجرد أسباب، لأحداث قدّرَ الله لها أن تقع ..

فقد روى ابن عباس عن رسولنا الكريم صلى اللهُ عليه وسلم أنه قال:
" .. فلَو أنَّ الخلقَ كُلَّهُم جميعًا أَرادوا أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يقضِهِ اللَّهُ لَكَ، لَم يَقدِروا عليهِ، أو أرادوا أن يضرُّوكَ بشيءٍ لم يقضِهِ اللَّهُ علَيكَ، لَم يقدِروا علَيهِ .. واعلَم أنَّ ما أصابَكَ لم يكُن ليُخطِئَك وما أخطأكَ لم يكُن ليُصيبَكَ .." ..

ويقول ربي تبارك وتعالى:
"إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ " ..
(القمر: 49) ..




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :