تراجيديا الكراسي بقلم: طلعت شناعة




كانوا في مقهى يتبادلون الأحاديث المختلفة. لعلهم كانوا ينتظرون مباراة لكرة القدم أو شيئا من هذا القبيل. كانوا سبعة أو عشرة أو أكثر بقليل. المكان يزدحم بالرواد والزبائن. وما أن اقترب موعد المباراة حتى كان الجميع في ترقّب. وفجأة ظهرت مشكلة المقاعد. فالرواد أكثر من المتوفر منها.
قال صاحب المقهى: انتظروا سوف نحل المشكلة قريبا. لكن الزبائن لم يهدأوا. ظلوا في حالة قلق شديد.
حاول بعضهم الانشغال ب «أرجيلة» وأخذ يلوح بخرطومها ذات اليمين وذات اليسار وكأنه في «دبكة» .

بينما كانت عيون بعضهم تتابع ردود الفعل العربية على العدوان على غزة .
وجاء في نشرة الاخبار ان « الدولة الفلانية ».. تستنكر ..
بينما الدولة الفلانية تعبر عن " امتعاضها "..
أحد الجالسين تحسر على أيام الرئيس صدام وقال بألم " بس لو بعده عايش "!
اخر
استذكر الزعيم جمال عبد الناصر ... وترحم على روحه
رجل واحد جلس في ركن بعيد في المقهى . كان يشرب الشاي بهدوء ويفرك أوراق الصحيفة بأصابعه الجافة. لعله الصامت الوحيد بينهم. لعله كان يحملق بوجوه الناس ويقرأ ملامحهم أكثر مما كان يطالع الصحيفة.
« بدنا كراسي وين الكراسي» ؟
ارتفعت الصيحات من كل الاتجاهات.
« مش معقول مقهى بدون كراسي»
صاح آخر ، وانتظر ردود الفعل على كلامه.
كان صاحب المقهى في دهشة من الحاضرين. كلهم يبحثون عن الكراسي وهو لديه كرسيّ واحد يخشى عليه من تناول الأيدي. قام وظلت رِجْله ملتصقة بحافة الكرسي. خشي ان تمتد يد وتسحبه من تحته. هو صاحب المكان وكل هؤلاء بمثابة زبائن عنده. صحيح أنه يبدو لطيفاً معهم، لكن الكرسي له وحده ولا ينبغي لاحد أن يزاحمه عليه. صار الكرسي جزءا من هيبته. فما أن يصل في الصباح حتى يتفقده ويرفع ظهره عاليا لكي يتأكد أن كل شيء يسير وفق رغباته وكما يشاء هو.
فجأة.. جاء عامل المقهى ومعه بضعة «كراسي». وعلى الفور امتدت الأيدي اليه تخطف منه ما تيسّر منها.
علَت في المكان الصرخات.
بعضهم لم يحصل على كرسيه بسبب الزحام الشديد. بينما ظهرت علامات الرضا على الآخرين.
ـ « بدنا كراسي يا عالم ، وين الكراسي». قال أحدهم .
ـ « الكراسي لناس وناس». علّق آخر.
... « طاخ طاخ طاخ «
سُمع صوت ارتطام سيارة بسيارة. هرع البعض وبقي الآخر ملتصقا بكرسيه.»وين الشباب قوموا شوفوا الحادث»،
صاح صاحب المقهى. لكن أحدا لم يغادر مكانه.
كثرت الأصوات في الخارج وتداخلت بالدعاء أن يرحم الله المصابين. بينما ظلت الأصابع تتحسس أطراف الكراسي خوفا من قوة ما تسحبها الى المجهول ... !!




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :