ضربة لازم بقلم:د. ميرفت سرحان


سلسلة في أخر الأسبوع خاطرة
ضربة لازم

أثناء متابعتي لأحد برامج الفتاوى الشرعية.. ورد اتصال يسأل صاحبه أنه كان قد نذر أن يدفع مبلغًا محددًا من المال إذا تحقق له أمر معين .. وحصل وتحقق هذا الأمر الآن، إلا أنه لا يملك المبلغ الذي نذره حاليًا، فما الذي يتوجب عليه أن يفعله؟! .. فكان جواب الشيخ له أنه طالما نذر نذرا ما فقد ألزم نفسه به فيتوجب عليه تنفيذه ما لم يكن نذر أمرًا مكروهًا .. ولأنه لا يملك المال في الوقت الحالي فيؤجل تنفيذ النذر إلى أن يمتلك المبلغ المطلوب؛ إنما لا يسقط عنه ما نَذَر ..
ولن أفتي أو أخوض في الناحية الشرعية للنذر - فهذا ليس تخصصي - وإنما أوردته لأنني عندما سمعت الفتوى تبادر لذهني كيف أنك في كثير من الأحيان تقدم شيئًا للآخر (ماديًا كان أو معنويا) هو في واقع الأمر ليس مطلوبًا منك، فلا هو من واجباتك ولا من حقوق الآخر عليك .. وإنما قدمته بدافع من الحب أو الود له .. أو إكراما لعشرة عمر طويل بينكما .. أو لإحساسك بالمسؤولية تجاهه .. أو لأسباب أخرى عاهدت نفسك عليها .. ومع مرور الوقت وعندما تظل تقدم هذا الشيء للآخر يشعر كلاكما بلزوم استمرار قيامك بهذا الأمر، وأنه أدنى درجات واجباتك .. إلى أن يصادفك يومًا تكون فيه متعبًا أو أن تنسى؛ ولا تؤدي ما تعودت القيام به .. مما يجعلك تشعر بالذنب حيث أنك قصرت أو أهملت .. ولتكفر عن هذا الذنب تبذل جهدًا أكبر لتقديم ما هو أفضل مما كنت تقدم .. وهذا الجهد يجعل الآخر ينظر إلى ما تعطيه له على أنه أحد حقوقه عليك، عندها لن يكتفي بما تقدم وإنما سيطلب منك المزيد .. فتقول في نفسك لقد قمت بالكثير ولن يضرني شيء آخر يسير؛ فلا بأس بالمزيد الذي يطلبه .. وتفعل .. وبمرور الوقت تنتبه أن الجهد الذي تبذله صار عبئًا عليك .. وأن الآخر قد رفع سقف توقعاته لما هو مطلوب منك تجاهه .. وأن ما تقدمه لم يعد كافيًا .. وفي المقابل صار صعب عليك أن تتراجع .. فتداوم على ما تقوم به .. ويألف كلاكما الأمر .. وفجأة تلاحظ أن هموم الحياة قد أرهقت فكرك، وأضعفت جسدك .. وضاعفت مسؤولياتك .. وأثرت في مزاجك .. مما يجعلك تتهاون أو تتراخى في ما كنت تعمل، أو على الأقل لن تقدمه بنفس الجودة التي كان عليها .. حينها تكون قد أهملت وقصرت من جديد .. أو أنك لم تقدم ما كان ما في وسعك .. ولتكفر عما اقترفت يداك ستبذل جهدًا مضاعفًا آخر لتعيد جودة ما كنت تقوم به وأكثر .. لتجد أنك تدور في حلقة من عمل وإهمال وعمل وتقصير .. وهكذا تظل تدور، وتدور، وتدور .. وتستيقن أنك تدور في درب رسمته أنت بيديك .. ولم يكن يومًا واجبًا أو فرضًا عليك .. إنما أوجبته أنت على نفسك .. فأصبح ضربا من اللزوم عليك، (وكما يقال في العامية: ضربة لازم)، لذا فعليك أن تتحمل أعباءه ونتائجه ..
تمامًا كالنذر لم يفُرض عليك .. وإنما فرضته أنت على نفسك؛ فألزمتها تأديته ..
لذا لا تساعد أحدًا، كائنا من كان أن يرفع سقف توقعاته لإلتزامك تجاهه .. لأنك ستدرك وقتها بأنك كالذي يسير نحو السراب أو كالذي يصعد سلمًا ممتدًا نحو اللانهاية ..
لا تتهرب من مسؤولياتك .. بل "وأحسن كما أحسن الله إليك" .. ولكن لا تنذر ما لم يفرضه الله عليك ..




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :