آن الأوان بقلم:د. ميرفت سرحان


سلسلة في آخر الأسبوع خاطرة
آن الأوان

أثناء توجهي لإحدى الإجتماعات النسائية وفي طريقي للمكان المقصود .. استوقفني حادث على الطريق أدى لوقوف السير لبرهة من الزمان وأثناء ذلك الوقوف لمحت من بعيد منظرًا لسيدة مسكينة رثة المظهر .. وبالية الثياب والهندام .. تبدو شاحبة وباهتة ونحيلة .. وطال وقوف السيارات بسبب الحادث .. ومازلت أنظر لتلك المرأة الضعيفة .. وفجأة اقتربت سيارة حديثة من المرأة التي سرعان ما استقلتها .. ثم خلعت حجابها البالي وصففت شعرها وإذ بها سيدة قوية وصلبة .. استأت مما شاهدت فتمتمت في نفسي بعبارات الحوقلة والاستغفار .. وتحرك السير، ووصلت المكان المنشود وفي مصعد العمارة رافقتني سيدة ترتدي ملابس أنيقة، وتسدل شعرها الذهبي على ظهرها .. وتفوح منها راحة عطرها الذي يفوح في المكان .. وعندما خرجنا من المصعد تفاجأت أنها تتوجه معي لذات المنزل .. وبعد الترحيب بنا واندماجنا بأنواع الأحاديث المختلفة .. سمعنا صاحبة المنزل تدعونا للطعام .. وللمصادفة أيضًا جلست على مائدة الطعام بجانبها .. وكان قد مرّ وقت لابأس فيه على حضورنا .. فكانت رائحة عطرها قد تبخرت بأثر الوقت .. وفي هذه المرة شممت لها رائحة بشعة، كانت تحاول اخفائها بإفراطها في رش العطر على ملابسها وجسدها ..
علق في ذهني هذين المشهدين لهاتين السيدتين ما جعلني أشبههما بما يحصل في أيامنا هذه .. فإذا ما نظرت إلى مظاهر الحياة بعد جائحة كورنا .. فإنك ترى من حولك محال مغلقة وأخرى معروضة للبيع .. مدارس خاوية وجامعات مهجورة .. شوارع موحشة .. أعمال معطلة .. متنزهات ومطاعم ومقاه خالية .. مصادر دخل شحيحة .. ونقود قليلة ..
أما إذا نظرت للناس فذلك يائس حزين ليس لديه قوت يومه .. وذاك بأس مسكين فقد عزيز عليه .. وآخر خاضع ذليل يبحث عن من يتوسل إليه ليساعده في مصيبته .. وهذا وذلك .. ولكنك إذا ما اقتربت منهم أكثر وأكثر وجدت منهم من لا يزال يرتشي ليرفع دخله .. وآخر يكذب ليرضي ربَّ عمله .. وذلك فاسد يريد أن يقتنص الفرصة ليحظى بما يمكن أن تقع عليه يداه من خيرات ليست له .. وذلك يتكسب من تعب غيره .. وأحدهم يكيد لزميله لياخذ مكانه .. وهذا يتخطى الرقاب ليصل إلى مكان ليس له .. وما زلنا نغش ونكذب ونسرق ونذل غيرنا ونظلم .. وتمحورت حياتنا حول سلطة ونفوذ ونقود .. إما أن نرتكب المعاصي ونقترف الذنوب لنكتسبها .. أو أن نتذلل ونعبد صاحبها .. وننسى من هو أهل للعبادة والخضوع والتضرع والتذلل ..
إذا لم تشعرنا هذه الجائحة ومدى التغيير الذي أحدثته في حياتنا بأنه آن أوان الرجوع إلى الله .. والوقوف على بابه .. وبث الشكوى إليه .. والبكاء بين يديه .. وأن تضج له الأصوات بالدعوات لقضاء الحاجات وكشف الكربات .. وغفران الخطايا والزلات ..
إذا لم تشعرنا هذه الجائحة بأنه آن الأوان لأن نفهم بأنه لابد أن يتزامن بحثنا عن اللقاح والترياق، بقين أنه لن يجدي دون إذن الشافي ..
اذا لم تشعرنا هذه الجائحة بأنه آن الأوان لأن ننقي نفوسنا، ونسمو بأخلاقنا حتى تعكس ظواهرنا حقيقة ما تخفيه بواطننا ..
أخشى ما أخشاه أنه إن لم يزدد حالنا سوءًا فإنه على الأقل لن يتغير ..
وخير شاهد على هذا قوله تعالى: "إنَّ الله لا يغيِّرُ ما بقومٍ حتى يُغيِّروا ما بأَّنفسهم".




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :