صلة رحم بقلم د. ميرفت سرحان


سلسلة في أخر الأسبوع خاطرة
صلة رحم

من أكثر اللحظات التي أشعر فيها بالراحة ويراودني فيها إحساس بالسعادة هي تلك التي ألعب فيها مع طفل ألاطفه وأستفزه بأسئلتي التي تثير فضولي .. أذكر أنني في إحدى المرات جلست مع طفلة في غاية الجمال والحيوية .. يشع بريق الذكاء من عينيها .. وتظهر ملامح النباهة على وجهها .. وبعد حوار ممتع مع الطفلة .. سألتها كم عم لديكِ قالت: أربعة، لا لا خمسة، قلت: كم عمة لديكِ؟ قالت أظن اثنتان .. وكم خال؟ ثلاثة، وخالة؟ أربعة .. قلت: هل لديك أبناء عمومة أو أخوال من نفس عمرك أو قريب .. تمتمت الطفلة وقالت: ام ام اه .. نعم، لا لا، ربما، لا أعرف .. قلت: ألا تعرفين إن كان لديك أبناء عمومة من نفس عمرك؟! قالت: أنا لم أشاهدهم منذ زمن .. ربما يسكنون خارج الأردن .. ام ام لا أعلم .. كان حواري هذه المرة مع هذه الطفلة الجميلة مختلف عن المرات السابقة التي قضيت فيها وقتًا مع الأطفال .. فقد ذكرتني بحديث جرى بيني وبين احدى صديقاتي قبل أيام، حيث شكت لي حينها أن لديها أب وأربعة من الأخوة .. كانت أخر زيارة لأحدهم لبيتها قبل ثلاثة سنوات .. أما اخر حديث هاتفي فقد كان قبل عام ونصف العام .. وأنها لا تعرف عنهم إلا القليل القليل من المعلومات .. وأذكر جيدًا كيف اغرورقت عيناها حينها بالدموع، وكانت تخرج من صدرها تنهيدة تلو الأخرى .. ثم تحشرج صوتها فجأة وقالت: أذكر جيدًا كيف كانت أمي تحضر لنا الطعام ونأكل في صحن واحد .. وأشهى الأطباق وأحلاها، كان الذي يجمعنا على مائدة رمضان .. أذكر كيف كنا نتقاسم الحاجيات التي يحضرها والدي .. وأذكر كيف كنا نلعب معًا قرب المنزل .. أذكر كيف كنا نتألم جميعًا إذا مرض أحدنا .. وكيف كنا نقلق إذا تأخر الآخر .. أذكر غيرة أخي عليَّ من ابن الجيران .. لا أزال أسمع أصوات ضحكاتنا تملأ المنزل ونحن يسرد كل منا قصصه للآخرين وما مرَّ به من أحداث خلال اليوم .. وكيف كنا نجتمع بجانب المدفاة في الشتاء ونلعب (حجرة، ورقة، مقص) والخاسر يحضر الحلويات للآخرين حيث لا أحد يريد أن يبتعد عن المدفاة .. كيف كنا نتسابق على من يجلس في المقعد الأمامي لسيارة أبي إذا خرجنا في نزهة أو رحلة أو زيارة .. أذكر كيف كنا نغني ونرقص ونزغرد إذا نجح أحدنا في المدرسة أو تخرج من الجامعة، أو حصل على وظيفة ..
أما الآن وفي زمن الرسميات، والمشاغل، والجري وراء لقمة العيش، والالتهاء بالشؤون الخاصة وهموم الحياة، ومشاكل الأبناء ومتاعب العمل .. والسعي نحو الخصوصية .. وبحزن وألم اضافي قالت: والخوف من العين والحسد .. آه آه .. لم يعد الأخ يزور أخته .. ولا يعلم عن حال أخيه .. وبعد أن كنا نأكل في صحن واحد لا يعلم أحدنا إذا بات الآخر وهو جائع .. ثم تمتمت وبصوت خافت: تُرى هل سيكون هكذا حال أبنائي؟! .. وغادرت حزينة ..
ربما أنستنا هموم الحياة أن الجري وراء لقمة العيش يُبارك في صلة الرحم .. يقول سيدي وحبيبي محمد صلى الله عليه وسلم: "مَن سَرَّه أن يُبسَطَ له في رزقه، وأن يُنسأَ له في أثره، فليصل رَحِمه" .. وربما غفلنا عن أن ما من أحد يساعدنا في حمل همومنا كالأخ، يقول ربي تعالى: "قال سَنشد عَضُدك بأخيك ونجعلُ لكما سُلطنًا فلا يصلون اليكما، بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون". ولن يخفف عنا متاعبها كالأخت .. يقول صلى الله عليه وسلم: " لا يدخل الجنة قاطع رحم".
صلوا أرحامكم .. واسألوا عن أحبابكم .. وودوا أقاربكم .. وافعلوا الخير وأحسنوا قبل أن يأتي يوم لا يجدي فيه ولا ينفع الندم ..




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :