قناعات بقلم:د. ميرفت سرحان


سلسلة في أخر الأسبوع خاطرة
قناعات

جاءتني احدى السيدات بطلب على شكل استشارة .. وقالت: "يا دكتورة صارلي مع هالزلمة تسع سنين وطبعه هو هو وشو ما عملت وسويت .. بالحيلة .. بالمنيح بالعاطل .. ولا بأي اشي ولا كاين يتغير .. أي الدنيا كلها تغيرت وهو على حطت ايدك .. والله ما انا عارفة شو بدي أعمل معه .. أي لو الحيط نطق هو ما بتغير .. والله عجزت يا دكتورة .. شو أعمل؟!" ..
شخصيًا .. أرى أنه عجيب وساحر الاختلاف بين البشر .. أجناسهم وأعراقهم .. أشكالهم وألوانهم .. شخصياتهم .. هواياتهم واهتماماتهم .. عاداتهم وتقاليدهم .. قيمهم ومبادئهم وأخلاقهم .. صفاتهم وسماتهم .. وما يدهش ويذهل أكثر هو قناعاتهم ..
كنت دائمًا أسمع الحجة رفيقة رحمها الله -وقد كانت احدى حكيمات العائلة منذ زمن-
وهي تردد مقولة: "ربنا وزع العقول ووزع الأرزاق .. وبتلاقي كل واحد راضي بعقله وما حدا راضي برزقته" .. -وبعيدًا عن مدى صحة المقولة- .. لا أظن أنني كنت وقتها أفهم ما الذي كانت تقصده الحجة ..
إلى أن شاهدت ظاهرة ويبدو لي أنها منتشرة في مجتمعنا بشكل هائل حيث وجدت أننا نبذل جهدًا مضاعفًا للسعي نحو تغيير الآخر حتى يتوافق ويتناسب مع اعتقاداتنا بما هو صحيح .. ومع أفكارنا وقناعاتنا بالكيفية التي يجب أن تكون عليها الأمور .. وأننا نشعر بالطمأنينة إذا جرت الأحداث بالأسلوب الذي نراه مناسبًا ..
فأحدنا يريد تعديل أفكار والده وآراء والدته .. والآخر يريد تغيير شكل زوجته، وهي تسعى لتغيير صفات زوجها .. والأب يتمنى أن يغير شخصية ابنه، وأن تتحكم الأم بمصير ابنتها ..
والطريف في الموضوع أن لا أحد منا يسمح أو يرغب في أن يغير من قناعاته أحد، أو حتى أن يبدي رأيه فيها .. فقناعاته هذه تشكل جزءًا مهمًا من شخصيته ونسبة معينة من هويته .. تكونت عبر السنين بفعل التنشئة، والتواصل مع الآخرين والخبرات؛ الجيدة منها والسيئة، بإلاضافة لخصائصه وسماته الشخصية، وغيرها ..
وهذا لا يعني أن كل منا يحمل بين جنبيه قناعات واعتقادات ومبادئ صحيحة .. فنحن لسنا ملائكة تمشي على الأرض .. ولكن إن كان من حقك أن تعتبر أن قناعاتك صحيحة .. فواجبك أن تحترم قناعات غيرك .. فقناعات كل منا صحيحة من وجهة نظره ..
لذا فأنت في علاقتك مع الآخر (حب .. صداقة .. زمالة .. أو غيرها) أمام أحد خيارين إما أن تنسحب من حياته بهدوء إن لم يكن عندك القدرة على تقبله كما هو .. أو أن ترضى به كما هو .. ولأن هناك أنواع من العلاقات لا يمكنك الانسحاب منها؛ لذا فعليك أن تتدرب على اتقان فن التعايش مع الآخر كما هو ..
فليس من مهامنا أن يشكل بعضنا البعض .. إنما نتعايش مع بعضنا .. ويكمل بعضنا البعض ..
ولأننا لسنا ملائكة -كما ذكرت- أعتقد أنك إذا ما أردت أن تغير تصرفا قبيحًا، أو عادة سيئة -من وجهة نظرك- فيمن تحب فما عليك إلا أن تحاول اقناعه أنه بحاجة لهذا التغير .. فإذا اقتنع فعل، وإن لم يقتنع فلا تحول حياتك معه إلى نار مشتعلة، لا يمكن اطفاؤها إلا باقتناعك بأن عليك تقبله كما هو ..
أرى أن مجرد التفكير في أنه من حق أي منا أن يغير الآخر كما يشاء هو أحد ملامح مخالفة الطبيعة الإنسانية ..
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: "وَلو شاءَ رَبُّكَ لجعلَ الناسَ أُمَةً واحدةً ولا يَزالونَ مُختلفين ..".




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :