سلسلة شخصيات من هنا وهناك .. مجرد وجهة نظر .. بقلم الدكتورة ميرفت سرحان
شخصية متذمر ..

استيقظ من نومه على صوت المنبه .. رماه أرضًا وقال كم هو مزعج صوت هذه الساعة، عليّ استبدالها لا محالة .. وبمجرد أن خرج من فراشه .. أخذ يتمتم: لابد أنه يوم كئيب أسود، لدي عمل كثير وثقيل، ولم أكتفِ من النوم .. خرج من الحمام صارخًا: أين منشفتي، لا شيء يبقى في مكانه، لابد أن أغير طريقة تعاملي مع زوجتي والأولاد .. ذهب إلى الصالة: أين طعام الإفطار لماذا لم يجهز إلى الآن .. ثم توجه للعمل، صادف زميله بالباب، وقبل التحية والسلام قال له: يا رجل ما هذه المواعيد الباكرة، ماذا يحصل لو تم تأخير الدوام؟! .. دخل المكتب يتأفأف ويتذمر، ما كل هذه الأوساخ والقاذورات، يا الهي! وما كل هذه الملفات .. تبعه للمكتب زميل آخر وقد دخل مبتسمًا مستبشرًا، فقال له مستهزئًا: ما الذي يدعو للضحك والابتسام؟! .. طلبه المدير، فقال: اكتملت!! هذا الذي لم يكن بالحسبان .. غادر العمل، وأراد ابتياع بعض الأشياء والحاجيات، وأخذ يصرخ في وجه البائع من كم الغلاء، وارتفاع الأسعار .. ركب سيارته عائدًا لبيته، وهو يتمم في ذهنه، هذه الخردة اللعينة متى سأتخلص منها، وأحظى بواحدة فارهة جميلة؟! ..
في خضم انشغاله بشكواه، واستغراقه في تذمره من ما ينقصه في حياته أو ما لا يعجبه فيها، نسي صاحبنا أن ينظر لما يقتنيه من أغراض، وأشياء .. أو أن يلتفت حتى لكم ما يمتلكه من نِعمٍ وهبات .. فاختار لنفسه حياة نكدة، وتعيسة ..
من وجهة نظري .. ثلاثة أرباع السعادة أن ترضى بما قسم الله لك .. أما الربع الأخير فهو قرار بجزئين؛ أولهما: أن تسعى جاهدًا لتحقق هدفك وما تريد وما يسعدك، فإن حققت غايتك؛ تكون قد تذوقت طعم السعادة، أما إن أخفقت فهذه محاولة، تعلم منها: أين تعثرت وكيف ولمَ أخفقت؟؟، ثم أدمن على المثابرة، وكرر المحاولة لتشتم رائحة السعادة .. ونصف الربع المتبقي، يكمن في الجزء الثاني من القرار: وهو أن تتفنن في الاستمتاع بكل جميل يحيط بك، مهما كان متواضعًا أو حتى تافهًا .. وأن تتمسك بكل لحظة يتسنى لك فيها أن تشعر بالبهجة والإثارة .. وأن تتصنع الانبساط والسرور فيصبح عادة .. كل هذا يعينك أن تحيا الحالة، وتعيش في سعادة ..
ثم .. إذا ما صادفت مثل هذه الشخصية يومًا .. كن يقظًا .. فالشكوى كالفيروسات معدية؛ توهن الجسم وتضعف المناعة .. لذا خذ قرارًا سريعًا بأن عليك الانسحاب في الحال، و فِرَ من مجالستها دون إبطاء ..
يقول ربي تبارك وتعالى: "وَلا تَيأَسُوا مِن رَّوحِ الله إِنَّهُ لا يَيأَسُ مِن رَّوحِ اللهِ إِلا القَومُ الكَافِرونَ" .. "يوسف: ٨٧" ..