مجرد وجهة نظر .. المؤذي بقلم د. ميرفت سرحان


سلسلة شخصيات من هنا وهناك .. مجرد وجهة نظر ( المؤذي).
بقلم الدكتورة ميرفت سرحان

كنت قد بدأت الكتابة حول هذه الشخصية عندما جاءتني هدى، وهي تبكي بحرقة .. تطلب مني المساعدة والنجدة .. ولأن قصتها والتي تبدو أحداثها كقصة لفيلم مصري قديم، تخدم موضوع شخصيتنا .. فقد استأذنتها أن أعرضها هنا .. وإليكم ما دار بيننا .. بصوت يرتجف .. ودموع تنهمر .. قالت: دكتورة، أرجوكِ ساعديني .. أكاد أختنق .. ولا أدري ماذا أفعل .. أعطيتها كأسًا من الماء، وطلبت منها أن تهدأ .. حتى أفهم .. لقد هجرني يا دكتورة، تركني دون أن يكترث لما حلّ بي .. ودون أن يهتم لمشاعري .. قلت: مَن؟؟ .. قالت: رامز، إنه شاب تعرفت عليه منذ السنة الجامعية الأولى .. كان دائمًا يخبرني كم يحبني، وأنه لا يمكنه الاستغناء عني، وأن وجودي معه جعل حياته أجمل .. ثم تركني فجأة .. قال إنه عثر على الفتاة المناسبة التي يريدها أن تكون زوجة له، وأمًا لأولاده .. بعد أربع سنوات من المحبة والهوى .. يدير ظهره وكأن شيئًا لم يكن! .. ثم سكتت .. وبكت .. وأكملت: أتعرفين؟! .. إن الهجران ليس أكثر ما يؤلمني .. فقد علمت أنه كان يتسلى .. نعم، كان يرفه عن نفسه في وقت الفراغ .. يريد أن يجعل البنات يتوددن إليه، ويتبارين في طلب الاقتراب منه .. وبكت مجددًا .. قلت: ألم تكن تصرفاته توحي لك بأنه غير صادق؟! .. قالت: لا، لا .. صحيح أنني كنت أرى منه بعض التصرفات الغريبة .. والأفعال المريبة، لكنني لم أربطها بصدق علاقتي به .. فقد كان أحيانًا يحرض أفراد "الشلة" بعضهم على بعض بين الحين والآخر .. وتارة ً كان يقدم للأستاذ وشاية كاذبة عن أحد زملائه .. وفي مرات أخرى كان يأخذ حاجيات بعض الطلبة، ويضعها في حقائب طالبات أخريات، وغيرها الكثير من الأعمال المماثلة .. وقد سألته مرارًا لم يفعل ذلك؟! .. فيكون رده أنه يرفه عن نفسه .. وعندما أخبره أن ذلك لا يجوز، يتهمني بأني أفقد حس الدعابة .. ولا أتقن فنون الفكاهة .. كنت أخاف أن أبدو "نكدية" كما كان يتهمني عندما أطلب منه عدم القيام بمثل هذه التصرفات .. لذلك حاولت أن أظهر بصورة الفتاة الظريفه، البنت "الكول" ..
أرجوك أشعر بالحرج مما حصل معي، والخجل لما مررت به .. أحس بالخيبة، وفقدت الأمل في كل شيء .. كل ما أريده هو أن أنتقم منه .. أن ألقنه درسًا لا ينساه أبدًا ..
عزيزي هدى أتيتِ إليّ تطلبين الغوث والعون .. وأنا أرى أنكِ قد مررت بدرس من دروس القدر .. يدور موضوعه حول أن كل منا يمكن أن يكون عرضة للأذى بطريقة ما أو بأخرى، أو أن يلحق أحدهم به الضرر .. ونقاط الدرس المهمة التي عليكِ أن تظليلها بقلم "ماركر": لست أنت من عليه أن يشعر بالخجل، أعرف جيدًا أن موازين البشر قد انقلبت وأصبح المسيء قوي والمحب ضعيف أو حتى "مستهبل"، لكن؛ هذا يجب أن لا يجعل من الحب شعور يثير الخجل .. أما الدروس المستفادة يا عزيزتي والعبر: أننا ربما لسنا مسؤولين عن أحاسيسنا ومشاعرنا، إلا أننا بالتأكيد سنحاسب عليها إذا تحولت إلى أعمال وسلوكات، ثم سندفع ثمن ما نتخذه من قرارات .. واعلمي أن من يؤذي غيرك بعلمك سوف يؤذيك دون علمك .. أما عن الانتقام فصدقيني لن يجدي نفعًا ولن يمحو الأثر، كل ما سيفعله هو أنه سيحولنا إلى أشباه بشر .. تركض حول محيط دائرة يبدأ بالحقد والكراهية، وينتهي بالذنب والألم .. وإن لم تفلحي في الانتقام وهذا وارد؛ لأن خصمك تمرس الأذى واستحلى الضرر، فستعودين وأنت تجرين أذيال الخيبة .. أما الخلاصة: إياك يا عزيزتي والنسيان .. فالنسيان يجعلك عرضة للخطر .. لا تنسي أن الخير لا يتجزأ ولا الشر .. فمن رجحت لديه احدى الكفتين فهذا طبعه مع كافة البشر ..
أما أنت يا رامز .. إذا قابلتك يومًا؛ فسوف أذكرك بأن وجود الخير والشر لديك فطري .. أما أن تغلب جانبًا على الآخر فهذا اختيارك، وقرارك .. ثم إن كلًا منا يمكن أن يؤذي غيره بشكل أو بآخر؛ هذا وارد، فهذا حال حياة البشر .. لكن، أن تبيّت النية لتؤذي غيرك، وتقصد أن تلحق به الضرر، فهذا يدل على سوء أخلاقك .. وقباحة سلوكك .. وربما لن تدرك مدى ما تسببت فيه من ألم لغيرك، إلا إذا شربت أنت أو أحد أحبابك من نفس الكأس الذي سقيت منه غيرك .. وصدقني لا أتمنى لك ذلك ..
قال تعالى: "وَالَّذِينَ يُؤذُونَ المُؤمِنينَ وَالمُؤمِنَاتِ بِغَيرِ ما اكتَسَبُوا فَقَدِ احتَمَلوا بُهتَنًا وَإِثمًا مُّبِينًا" .. الأحزاب (٥٨) ..
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المسلمُ مَن سَلِمَ المسلمونَ من لَسانه وَيَده" ..




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :