بياع حكي بقلم الدكتورة ميرفت سرحان



تقدم لخطبتها .. وهي فتاة جميلة، وذات حسب ونسب، أما هو فشاب وسيم ويعمل بائعًا .. ترددت في الموافقة .. فقد رسمت في خيالها صورة لفتى أحلامها، تختلف عنه .. علم بترددها .. فقرر أن يتقرب منها .. وبدأ يبعث لها رسائل هاتفية، من ذلك النوع الذي يحث على الفضيلة، ويحبب في الأخلاق الحميدة .. لانت الفتاة .. شعر هو بذلك .. ارتفع مستوى الرسائل، فأصبحت من ذلك الصنف الذي ينبه إلى أهمية العمل الصالح والعبادة والتقرب إلى الله .. لان قلب الفتاة أكثر .. أحس بذلك .. فصار يختار ألطف الألفاظ حين يخاطبها، فيمدحها مرة، ويغازلها مرة أخرى .. تحركت عاطفة الفتاة .. فرح لذلك .. وأخذ يتحدث عن مبادئه وأفكاره، التي تحمل في طياتها أخلاقًا رفيعة، ونبذًا للجشع والتفكك والفساد .. وغيرها من الشعارات .. رق قلب الفتاة .. فطلبت أن يكون هناك فترة للخطوبة يختبر فيها كل منهما مشاعره نحو الأخر .. وحصل .. وصار حديثه عن العلاقة الطيبة بين الزوجين، وعن التربية الصالحة للأبناء .. وأهمية صلة الرحم، وكيفية المحافظة على النعم .. وغيرها من الشعارات .. رق قلب الفتاة أكثر وأكثر .. وتخيلت الحياة السعيدة التي ستعيشها في ظل هذا الرجل الصالح .. وبدأت الأحلام الوردية .. والخيالات الجميلة .. ولامت المسكينة نفسها لأن صورة فتى أحلامها كانت تختلف عن رجُلها!!! .. لقد كانت مخطئة ..
تزوجا .. وبعد عدد من أيام العسل .. تبدل الحال؛ وتغير مجرى الحياة بينهما .. أمرها أن لا تزور والدتها .. وأن تقطع علاقتها بصديقتها الوحيدة .. فهو لا يحب الزيارات واللقاءات .. ومنعها أن تحضر مناسبات أهلها "حفلات وجمعات وجلسات، وغيرها .." ..
أما عن عمله .. فهو يحتكر البضائع .. ويغش في الميزان .. ويتجبر في تعامله مع الموظفين .. وعن عبادته .. فمنذ أن تزوجته لم يسجد لربه مرة، ولم يخرج صدقة أبدًا ..
بعض الأشخاص إذا جلست معه يجعلك تعتقد أنك في حضرة الولي النقي، "رجل ذو دين وخلق وعلم" .. ويشعرك بأنه يمتلك عصى موسى في يمينه، ويرتدي خاتم سليمان في اصبعه، "رجل قوي وذكي وغني" ..
تراه يجلس على الأريكة .. فاردا ظهره .. نافخًا صدره .. يضع ساقًا فوق ساق "وقد تكون قدمه مواجهة لمن يجلس أمامه" .. يرفع رأسه عاليًا، فيكاد يصطدم بسقف المكان .. وينظر بعينيه إلى كل شيء حوله إلا الشخص الذي يخاطبه ..
إذا تكلم؛ فحديثه جميل .. وقوله مدروس .. وكلامه معسول .. وتعبيره جاذب .. ومنطقه سليم .. وإذا وعد بشيء، فوعوده ذهبية .. وضماناته قوية .. يوهمك بأن طلباتك أوامر .. وحاجاتك مقضية .. وأمانيك مجابة .. فتتوسم الخير، وتتعشم السعادة ..
لكن؛ عند الفعل والتنفيذ .. فإذا طلبت منه حاجة، فاعلم أن هذه أخر مرة تلتقي به، وإذا أردت عندها أن تبحث عنه فحالك كذاك الذي يبحث عن إبرة في كوم قش! .. أما إن استفسرت منه عن خبرته في موضوع معين، أو عن تجربته في مسألة ما، حتى تستفيد من علمه ومعلوماته، فلا أعرف ولا أعلم يكون رده، وانتظارك لأي خير منه، يشبه سحبك للحم من فم الأسد! ..
هل سمعت عمن يبيع الهواء في القنينة؟! .. هذا هو .. إن عاشرته يومًا، فلا تشتري منه شيئًا .. حتى لو عرضه عليك بأرخص الأثمان ..

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان .." ..




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :