• الرئيسية
  • مقالات

  • عنب الشام وبلح اليمن .. قصة حقيقية بقلم الدكتورة ميرفت سرحان

عنب الشام وبلح اليمن .. قصة حقيقية بقلم الدكتورة ميرفت سرحان


في الصباح الباكر خرجت مسرعة من المنزل .. ولم تنتبه لوجود والديها في غرفة الجلوس .. فلم تلق عليهما التحية .. مما أثار ريبة وفضول والدها .. وبعد أن نظر لأمها نظرة دهشة واستغراب .. توجه إلى غرفتها .. وأخذ يفتش في أغراضها .. فوقعت عينيه على هاتفها الذي نسيته لشدة استعجالها .. أخذ الهاتف؛ وبعد محاولات عديدة، استطاع أن يتعرف على الرقم السري .. وبعد أن فتحه .. لم يعجبه ما شاهد فيه .. محادثات ورسائل .. وبعض الصور؛ ومع أنها لم تكن غير أخلاقية أو مخلة بالأدب؛ إلا أنها أثارت غضبه واستياءه .. وبعد أن هدد وتوعد .. ولم يتمالك نفسه عندما غضب .. خرج مسرعًا وذهب للمدرسة، وأحضر الصبية .. ودون أن يشرح لها شيئًا .. بدأ يشتم تارة، ويلعن تارة، ويضربها تارة .. ويهدأ قليلًا .. ثم يعيد الكرة .. يشتم، ويلعن، ويضرب .. واستمر هذا الحال لفترة لا بأس بها .. وبعد أن هدأ عنه الغضب قليلًا؛ أصدر عليها الحكم: من الغد يمنع منعًا باتًا أن تخرجي من المنزل دون حجاب .. انصاعت الصبية للأمر، وارتدت الحجاب ..
والكلام التالي على لسان الفتاة ..
تقول: امتثلت مجبرة لأوامر أبي ..ولكن، كنت كلما ارتديت الحجاب أشعر كأنه حبل للمشنقة يلتف حول رقبتي قبل أن يغطي شعري .. وكنت كلما خرجت من المنزل وأنا ارتديه أشعر بأن تهمة ما تلازمني .. فقد كنت ألاحظ عيون الناس وهي ترمقني بنظرة فيها مزيج من شماتة واستخفاف وكثير من الإهانة، وكأن لسان حالها يقول: هذه الفتاة السيئة، تستحق أكثر من هذا العقاب .. كنت أحس أن هذه النظرات تلاحقني في كل مكان .. لذا؛ كنت كلما ارتديته أكره نفسي، وأكره أبي .. وأمقت الحياة وأحقد على كل من فيها ..
بقي الوضع على هذا الحال إلى أن تحررت من سلطة أبي .. عندها لم أتردد أبدًا في التخلص من هذه الوصمة التي ألصقها بي .. فخلعت الحجاب غير أبهة بأحد ولا أسفة على شيء .. ولم أكتف بهذا الحد .. بل بدأت بالتدرج في التخلص من الملابس الساترة؛ جزءا بعد الآخر .. وكنت كلما تحررت من جزء أشعر بالحرية أكثر .. وبالقوة أكثر وأكثر .. ولم تعد نظرات الناس تعنيني .. ولكن؛ لا أخفيك سرًا .. أنا لم أشعر بطعم السعادة يومًا .. لم أكن سعيدة عندما عاقبني أبي وأجبرني على ارتداء الحجاب .. ولست سعيدة الآن لأنني تخلصت منه، وتحررت من سلطته ..
إلى هنا انتهت رواية الفتاة ..
بالتأكيد إن للقصة جوانب متعددة .. منها على سبيل المثال: هل أخطأت الفتاة في استغلال الثقة التي منحت لها؟! .. أو هل أخطأ الأب في أسلوب تعامله مع المشكلة؟! .. أو هل يجوز لنا عندما نصل إلى مرحلة عمرية متقدمة، ودرجة من الخبرة لا بأس بها؛ هل يجوز لنا أن نستمر في عزو سلوكنا وتصرفاتنا إلى منهج تنشئة أو إلى أسلوب أب أو طريقة أم أو غيرها، ألسنا نصل إلى مرحلة نكون فيها مسؤولين كليًا عن تصرفاتنا؟! ..
إنما الجانب الذي أريد أن أتطرق له من خلال هذه القصة هو مدى الإساءة، وفداحة الجريمة التي نرتكبها عندما نحول الفضيلة أو الأشياء الجميلة أو المواضيع الطيبة، إلى عقاب أو تأنيب ووعيد .. وتغافلنا أو ربما لم ندرك أننا بالإضافة لكوننا لم نحث على العمل الصالح أو نزرع الخلق الحسن أو حتى ننمي مهارة مفيدة .. فنحن لم نصوب الخطأ ولا عدلنا السلوك .. وعلى رأي المثل "لا طلنا عنب الشام ولا بلح اليمن" ..
فإن كان الأب يعتبر أن الحجاب مصدرًا للعفة .. وأنه سيحمي إبنته من ارتكاب الأخطاء .. فلم حوله إلى مصدر للعقاب .. ووصمة للعار؟!!
أعتقد أن الكثير منا قد وقع في فخ عدم فهم الغاية من بعض الأحكام والتشريعات .. أو سقط في مصيدة سوء استخدام المعرفة والمعلومات ..
والأمثال في هذا الصدد كثيرة .. كتلك الأم التي تهدد طفلها بأنها سترتاح منه عندما يذهب للمدرسة .. ثم تتعجب لم لا يحب الدراسة، ولم يحصل على درجات متدنية ..
للعقاب أشكال مختلفة وأنواع متعددة .. ويتبع لأسس كثيرة .. ليس من ضمنها أن نعاقب الخطأ بالحق .. فإذا عاقبنا بالحق نكون قد شوهنا الغاية منه .. وفشلنا في تصحيح الخطأ ..

يقول الله تبارك وتعالى: "قُل هَل نُنَبِّئُكُم بِالأَخسَرِينَ أَعمَالًا* الَّذِينَ ضَلَّ سَعيُهُم فِي الحَيَاةِ الدُّنيَا وَهُم يَحسَبُونَ أَنَّهُم يُحسِنُونَ صُنعًا .." .. (الكهف: ١٠٣ - ١٠٤) ..




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :