أوله دلع .. بقلم الدكتورة ميرفت سرحان


بدأت تسرد لي قصتها فقالت: بعدما تخرجت من الجامعة، بدأت رحلة البحث عن عمل واستغرق الموضوع فترة طويلة، ولكن لم يحالفني الحظ .. ثم شاء الله وتزوجت .. زوجي رجل طيب وميسور الحال .. ليس غنيًا، ولكنه يستطيع أن يؤمن لنا حياة كريمة .. مرت السنين ولم أنجب .. ووضع زوجي في العمل لم يعد كما كان .. فقلت لنفسي لم لا أعاود البحث عن عمل .. أشغل وقتي وأساعد زوجي .. مرت الأيام وجاءت صديقتي لتخبرني عن شاغر لوظيفة جيدة .. فرحت وقلت: أخيرًا فرجت .. علمت بعدها أن الوظيفة في مكتب فيه اختلاط "يعمل فيه الذكور والإناث" .. ترددت كثيرًا في الموافقة .. حيث أنني ضد الاختلاط .. أقنعتني صديقتي: إنه رجل واحد في المكتب، والكل يشهد بأخلاقه وأدبه .. قلت: ولكن يبقى اختلاط .. قالت: ولكنك تستطيعين وضع حدود للعلاقة معه .. قلت: ألست مضطرة للتعامل معه وترتيب الصفقات، وعقد الاتفاقيات .. قالت: نعم، ولكن هذا يبقى في حدود العمل .. بقيت مع صديقتي على هذا الحال بين شد وجذب .. إلى أن وافقت .. واستلمت العمل .. في البداية كنت أتعامل مع زميلي برسمية شديدة .. وكان يبادلني الرسمية .. مرت الأيام .. كثرت إجراءات العمل المشتركة بيننا .. زادت مواضيع الحديث .. أخبرني عن حياته وزوجته وأولاده .. وكذلك فعلت .. غاب عن العمل يومًا، ولم يكن معتادًا على ذلك فقد كان مثالًا للالتزام .. قلقت عليه، لأنه كان يحدثني بالأمس عن مرض أحد أبنائه .. اتصلت به لأطمئن .. مرت الأيام واعتدت أن أراه تقريبًا كل يوم .. نشأت بيننا مشاعر زمالة "ودية" .. مررت وزوجي بظروف صعبة فقد كان على خلاف مع أحد أخوتي .. تأثرت وظهر عليّ الحزن، وأصبح وجهي شاحبًا .. سألني زميلي: يبدو أنك فقدت الكثير من وزنك؟! .. استغربت أنه يدقق في شكلي .. ثم قلت لنفسي: إنه مثل أخي .. مرت الأيام وصرت "أفضفض له"، فينصحني وأطيعه .. ثم مرت الأيام .. واعتدت وجوده في حياتي .. لدرجة أنني أصبحت أخاف من مجرد فكرة أن يغادر أحدنا العمل .. أعتقد أنني أدمنته .. نعم .. أدمنته .. ربما أدمنت وجوده أكثر من وجود زوجي .. أنتظر الصباح حتى أخبره عن أحوالي وأستشيره .. وكذلك يفعل ..
ما تركته وسائل التواصل الاجتماعي من أثر في حياتنا يشبه ما حصل مع هذه السيدة ..
فبعد أن كنا نرفض كثيرًا من ما تنشره من مواضيع لأنها تتعمد تشويه العادات الحسنة .. وتحريف القيم الحميدة .. وإفساد المبادئ السامية .. وحيث أن رفضنا لم يتجاوز الاستهجان .. استمرت هذه المواقع في بث أهدافها .. وكانت ردة فعلنا هذه المرة الاستغراب والاستنكار .. فما كان منها إلا أن تستفحل في غاياتها كمًا ونوعا ..
فقد عرضوا لنا "على سبيل المثال" مشاهد رقص "أشباه" الرجال، بصورة الرجل "الفرفوش"، أما الفتى الملتزم فهو ساذج "أهبل" .. فضاعت المروءة ..
والنساء الكاسيات العاريات، هن نساء "الفاشن والموضة"، أما المحجبة فهي معقدة "ودقة قديمة" .. فنزع الحياء ..
والتهليل للرويبضة والتافهين، والاستخفاف بالعلم والمتعلمين .. فكثر الفجور والانحلال ..
أما تمجيد المال وجعله غاية الغاية ومنية المنال، وجعل الفقر حسرة وعار .. فقد أدى إلى انتشار الجريمة ..
أصبحت الدعارة حرية شخصية .. وبث سموم الرذيلة تجارة .. والتفاهة طلاقة .. والمجون فنون .. والعنف وسيلة ..
حتى أدمنا الخطيئة ..
لقد استغفلونا بأكذوبة: أنك حر الاختيار فان لم يعجبك ما تشاهده .. فلا تشاهد .. لا يا سيدي لا يحق لك أن تبث السموم في فضائي ثم تطلب مني أن لا أتنفس ..
ثم استغبونا عندما جعلونا نعتقد أن أولادنا سوف يصبحون غرباء عن هذا العالم إن لم يتعرفوا على ما يعرض من برامج .. أو إن لم يمتلكوا ما يصنعوه من منتجات .. وجعلونا ننسى أن التميز في الاختلاف .. وأن مخالفة المنكر فضيلة ..
أقنعونا بضرورة مشاهدة ما يعرضون .. فصدقناهم .. ثم اعتدنا وجودهم .. وأدمنا متابعتهم .. وعندما تدمن على أمر قد تدمر أي شيء في سبيل الحصول عليه ..
أرجو أن لا تحمل قادم الأيام ما هو أسوء ..

يقول ربي تبارك وتعالى: "إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ " .. (البروج: 10) ..




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :