عندما تموت بقلم الدكتورة ميرفت سرحان


عندما تموت
بقلم الدكتورة ميرفت سرحان

عذرًا لقساوة المقال .. لكن الحال مؤلم ..

عندما يذكر الموت في جلسة ما؛ لاحظ أثر الحديث على الموجودين: ترى أن هناك من ينقبض قلبه لمجرد ذكر الموضوع، فيلتزم الصمت .. وترى من يخاف لذكره فيطلب أن يتم تغيير الموضوع .. ومنهم ما لا يعنيه الموضوع من قريب أو بعيد، فهو ليس معنيًا فيه .. وقد ترى من تسيل دموعه ويرق قلبه، ويتغير مزاجه .. ومنهم من يستهزئ إما ليداري خوفه، أو لأنه غارق في غفلته .. ومنهم، ومنهم، ومنهم، وكل منا له ردة فعل مختلفة ..
وأعتقد أن القلق -عند ذكر الموت- في كل الحالات هو سيد الموقف ..
لا تقلق .. إن كنت تفكر فيمن سوف يغسل جسدك، ويعطره ويكفنه .. لا تقلق .. فهناك من سيفعل هذا لك، إن لم يكن من الأقارب أو الأحبة، فهناك الكثير ممن يحبون عمل الخير ابتغاء الأجر، وسوف يقوم بذلك على أكمل وجه ..
لا تقلق .. إن خفت على أغراضك "أموالك، سيارتك، ملابسك، سريرك، عطرك، حذائك .. لا تقلق .. فأنت راحل وهم باقون .. وسوف يجدون بسهولة من يستخدمهم من بعدك، أو أن يتخلص منهم حيث لم يعد لهم فائدة ..
لا تقلق .. إن ضاق صدرك وأنت تفكر بمصير أبنائك .. لا تقلق .. فكثير من الأبناء عاش حياة أفضل بعد موت والديه .. وإن كنت تحبهم وترعاهم، فالله يحبهم أكثر ويرعاهم أفضل، فهم عبيده ..
لا تقلق .. إن كنت صاحب منصب أو مؤسسة أو أي عمل .. لا تقلق .. لن يتوقف العمل .. فهناك من سينجزه من بعدك .. والحياة لن تتوقف ..
لا تقلق .. إن خفت من هجر الأحبة، وحياتهم من دونك .. لا تقلق .. فالله يربط على قلوبهم .. ويدبر أمورهم ..
أرى أن ما يستدعي القلق عندما ترحل .. أن تعلم أن الحال قد تغير .. وأنك انتقلت من بطن إلى بطن .. لقد كفل الله لك حاجاتك في أول بطن "بطن أمك" .. وأمرك بعد خروجك منه أن تعمل بجد، حتى توفر لنفسك احتياجاتها في البطن الجديد "بطن الأرض" .. وبعد أن كنت تحتاج لأكسجين وتغذية في أول بطن .. فأنت تحتاج لراحة ونور وسعة في البطن الجديد ..
لذا .. أرى أن ما يستدعي القلق وأنت في هذا البطن الجديد .. بطن مظلم، وضيق، وبعيد .. وأنت فيه وحيد .. أن لا تجد ما ينير هذه الظلمة، ولا يوّسِع هذا الضيق ..
أرى أن ما يستدعي القلق .. أن لا يتسع عليك هذا البطن الجديد بدعوة لمحتاج أعنته، أو مظلوم نصرته، أو ضائع هديته، أو كلمة طيبة ذكرتها لتصلح بين الناس .. وأن لا تجد آية من قرآن رتلتها وذكرت بها، فتشفع لك .. أو صدقة أخرجتها لتغيث بها ملهوفا، ابتغاء مرضاة الله .. فيتسع عليك المكان وتُضاء العتمة، فتأنس بالخير الذي فعلته ..
أرى أن ما يستدعي القلق .. أن تدخل بطن الأرض وقد ظلمت أحدهم، أو أعنت على ظلمه .. أن تدخله وقد عيَّرت فلان بنقص عنده، أو أهنته أو استهزأت به .. أو أنك جرحت علان أو حقرته لتستمتع بألمه .. واستهزأت من آخر لضعف لديه .. أو أن تكيد بأحدهم، وأن تغش الآخر، أو أن تنتهك المحارم، وأن تؤذي غيرك .. أو تدعو لرذيلة أو شر .. عندها سوف تزداد ظلمة القبر ظلمة .. ويضيق عليك بطن الأرض أكثر وأكثر ..
أرى أن ما يستدعي القلق أن تجد وأنت في بطن الأرض من يدعو عليك باللعنة .. وأن تفتقر فيها لمن يدعو لك بالرحمة .. فتزداد الوحشة وحشة ..
أرى أن جُلّ ما يستدعي القلق أن ترحل، وأنت لا تعلم أن الله يغفر لمن أخطأ بحقه -جل شأنه- ويعفو عنه ويصفح .. ولكن الخطأ بحق عباد الله لا يصفح عنه، ما لم يصفحوا عنك ..
لذا .. كن حكيمًا .. فإن لم ترغب بفعل الخير للغير .. فعلى الأقل كُفَّ شرك عنهم ..

يقول الله تبارك وتعالى: "يَومَ لَا يَنفَعُ مَالٌ ولَا بَنُونَ .. إلَّا مَن أَتَى الله بِقَلبٍ سَلِيمٍ" .. (الشعراء: ٨٨- ٨٩) ..




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :