مفتاح واحد بقلم الدكتورة ميرفت سرحان




قالت: كانت سميحة من أعز صديقاتي .. عشنا سويًا سنوات جميلة؛ بحلوها ومرها، تقاسمنا الأشياء تارة، وتبادلناها تارة، وتهادينا تارةً أخرى .. كما اختلفنا مرة، وتخاصمنا مرة، وأخطأنا بحق بعضنا مرة أخرى، ولكننا تجاوزنا الخلافات، وحافظنا على صداقتنا ..
وفي أحد الأيام تقدم شاب لخطبتي .. وافقت .. وتزوجت .. ولفرط حبي لصديقتي سميحة .. بدأت أكرر ذكر اسمها، وأمتدحها أمام صديق زوجي .. ودبرت موعدًا وجعلتهما يلتقيان .. ونجحت خطتي .. وتزوجا ..
صديق زوجي ميسور الحال .. وعمله أفضل من عمل زوجي .. وقد اشترى شقه في الطابق الأرضي للبناية التي نستأجر بها .. فرشها بأفخر أنواع الأثاث، وزينها باكسسوارات ثمينة .. كما كان يشتري لبيته، وزوجته أجواد أنواع الأشياء من مستلزمات المنزل والملابس والطعام وغيرها .. أما راتب زوجي فقد كان متواضعًا، لكنه كان يكفينا ويؤمن لنا مستلزماتنا الأساسية ..
لا أنكر أنني شعرت بالغيرة من سميحة لبعض الوقت .. ولكن لأنني أحب زوجي كثيرًا، فهو رجل صالح ويحاول جاهدًا أن يؤمن لنا عيشة كريمة .. ولأنني أحاول دائمًا أن أرضى بما هو مقسوم لي .. بدأت أحدث نفسي أن المال لا يعني السعادة، وأن الأيام تتغير والأحوال تتبدل؛ وأن حال زوجي سوف يصبح أفضل .. واقتنعت؛ أنه يجب علي أن أتخلص من مشاعر الغيرة، وأن أستمتع بما لدي؛ فكثير من الناس محروم مما أملك .. كما ذكرت نفسي بالأوقات الجميلة التي جمعتني مع سميحة وتمنيت أن تستمر صداقتنا ..
مرت الأيام .. وبدأت صديقتي تتغير:
تعرفت على سيدات ثريات .. وانضمت لجمعيات نسائية .. وصارت تتهرب مني عندما أرغب بزيارتها أو الخروج معها .. وإذا صدف ودخلت منزلها كانت تجعلني أجلس في المطبخ، وأغادر المنزل من بابه .. أما عندما كانت تزورني في منزلي، فلم تكن تتردد للحظة بأن تشعرني أنها تشفق لحالي المتواضع مرة، وأنها تتقزز من الجلوس على فرشي مرة أخرى .. هذا بالإضافة لأنها كانت تشعرني بجميل صنعها وكرم أخلاقها إذا تكرمت وزارتني في منزلي المتواضع ..
هذا من ناحية .. ومن ناحية أخرى فقد كانت تتعمد أن تطلعني على تفاصيل سفراتها، ومجوهراتها، ومصروف جيبها .. ثم توحي لي بأن علي أن أطالب زوجي بتوفير بعضًا مما لديها .. فتتلاعب بعقلي وأفكاري لتعكر مزاجي، وتثير الغيرة في نفسي، وتخلق في قلبي مشاعر سلبية اتجاه زوجي، وتنغص حياتي معه .. وقد نجحت في ذلك أكثر من مرة ..
هل تعرفون ما المدهش في الموضوع؟!: أن سميحة لم تتلفظ معي، ولو لمرة واحدة بأية كلمة معيبة .. لكن والله؛ إن أقبح الكلمات وأشنعها أقل قسوة من تلك النظرات التي كانت ترمقني بها، والتلميحات التي كانت تتعمد أن تحرجني بها .. والمكائد التي كانت تحاول أن توقعني بها ..
أما الأكثر دهشة وغرابة أنني كلما شكوت لأحد حالي معها -حتى أمي- فإن الجميع يلومني أنا: إما لأنني أصبحت أكثر حساسية لأن وضع صديقتي أفضل من وضعي -مع العلم أن وضعي لم يكن سيئًا لهذه الدرجة- أو أنني نسيت الود ولا أحفظ العشرة .. أو أنني أتجنى عليها لأنني أغار منها ..
كنت سمعت حكمة فيما مضى مفادها: أنه يتوجب عليك أن لا تغلق الباب بينك وبين أي شخص حصل بينك وبينه خلاف .. وأبق الباب مواربًا، لأنك قد تحتاجه لاحقًا، أو على الأقل قد تنشأ بينكما علاقة من نوع آخر .. وحتى إن كنت أوافق على هذا القول .. إلا أنني أرى أن هناك أشخاصًا يتفننون في خذلانك مرة تلو الأخرى، ويتلذذون في إيذاك كلما سنحت لهم الفرصة، ثم يجعلونك تعيش أنواعًا شتى من الألم النفسي، مع أنك لم تخطئ بحقهم أبدًا ..
ما يتوجب عليك فعله اتجاه هؤلاء الأشخاص: هو أن تخرجهم من حياتك .. ثم تغلق الباب خلفهم جيدًا .. وتستعمل لإغلاقه قفلًا له مفتاح واحد .. ولا يمكن أن تنسخ منه مفتاحًا آخر .. خذ المفتاح، واذهب إلى البحر .. واستأجر قاربًا .. حتى لو كلفك ذلك ثمنًا غاليًا .. واذهب إلى منتصف البحر .. وارم المفتاح .. وعد .. ولا تلتفت للخلف ..

يقول الله تبارك وتعالى:
"وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا" ..(الأحزاب: ٥٨) ..




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :