لا تحزن بقلم الدكتورة ميرفت سرحان




سمعت قبل فترة من إحدى صديقاتي أن صديقة مشتركة لنا قد أصابها مرض السرطان -عافانا الله جميعًا منه- وكانت قد نقلت لي الخبر كالتالي: "صار معها هداك المرض .. ثم سكتت لبرهة .. وقالت: الخبيث" ..
وبعد أن غادرت خطرت ببالي فكرة!، لماذا يسمى هذا المرض بالمرض الخبيث؟! .. ولماذا يخاف البعض منا أن ينطق اسمه .. يبدو أن عدم معرفة الأسباب الحقيقية للمرض .. والتكاثر المتسارع للخلايا، وانقسامها، ثم توغلها داخل الأنسجة، وتمكنها من الجسد دون أن يشعر المريض بذلك إلى أن تستحكم في بدنه .. عدا عن علاجه الذي لا يزال أمرًا في غاية الصعوبة، ولا يزال يؤرق الأطباء .. جعلنا نصفه بالخبيث تارة .. ونخاف ذكر اسمه تارة أخرى ..
في هذه الأثناء .. جاء إلي أحد الأفاضل، مرتديًا ثوب البؤس .. وقد غطى وجهه الشحوب، وزاد على ذلك انحناءة ظهره .. قال وقد اغرورقت عيناه بالدموع .. وتملكت الرجفة صوته: منذ كنت صغيرًا، كانت ميولي باتجاه المواد العلمية .. كنت أحب الكيمياء، والعناصر، والتركيبات .. وكلما كبرت في العمر كان هوسي في هذا المجال يزداد .. كنت أحلم أن أطور نظرية ما، أو أن أتوصل إلى تركيبات لعلاجات أو أدوية جديدة .. وأن يكون لي براءة اختراع في هذا المجال .. درست بجد، لم يكن لدي وقت للمراهقة مثل أصدقائي .. حتى مصروفي، كنت أوفره لأشتري بعض العناصر والأدوات، وأجري التجارب والأبحاث، ثم أسجل البيانات .. وهكذا مضت سنوات المدرسة .. ثم التحقت بالجامعة ودرست التخصص الذي طالما رغبت به .. اشتغلت بعدد من الأعمال المختلفة ليتسنى لي إكمال دراساتي العليا .. انهيت دراستي بتفوق في كافة المراحل، وحصلت على عدد من الأوسمة والجوائز ..
وبدأت رحلة البحث عن العمل الذي كنت أتمناه منذ الصغر .. فقد اجتهدت كثيرًا طوال حياتي لأحصل عليه .. وبعدما تم الإبلاغ عن هذا الشاغر، سارعت لأقدم طلبًا .. وبالفعل تمت الموافقة، والتحقت بحلم حياتي .. وبعد ثلاث سنوات .. وفي أحد الأيام، كنت ذاهبا إلى العمل كالمعتاد .. وفجأة ودون سابق إنذار، وجدت على مكتبي مغلفًا مختوما .. فتحته .. وإذا به قرار إنهاء خدماتي مع كتاب شكر لتفاني في العمل .. حاولت مرارًا وتكرارًا، ودون كلل أو ملل أن أبحث عن السبب .. أو أن أفهم ما حصل، ولكن دون جدوى .. إلا أن فهمت أن مكاني في العمل خصص لشخص آخر ..
منذ ذلك الحين توشحت حياتي بالسواد .. وضاقت علي الدنيا بما رحبت .. وحتى تكتمل معي ويزداد العالم ظلمة، تكاثرت علي المصائب الواحدة تلو الأخرى .. فقد تعرضت لحادث سير وتضررت السيارة ضررًا بالغًا .. وكنت قد دخلت صفقة فخسرت، وفقدت على إثر ذلك مبلغًا من المال .. وقبل يومين وقعت أرضًا والتوى كاحلي .. لقد خيم الهم في داري، وأقام فيه إقامة أبدية ..
وعندما غادر السيد قلت في نفسي: تُرى ما الفرق بين مرض الحزن ومرض السرطان .. إن التسارع العظيم لانقسام الخلايا وانتشارها في الجسد، يكاد لا يختلف عما يحصل للجسد عندما يتمكن الحزن منه .. فبداية الحزن مشكلة أو أمر مؤلم تعرض له الشخص .. ومن الطبيعي أن يرافق هذا الألم مشاعر الحسرة أو التعاسة .. لكن إن لم يبذل هذا الشخص كل ما أوتي من قوة للتخلص من هذه التعاسة، وسمح لها أن تتمكن منه .. فإن الكروب سوف تتوالى عليه .. والمصائب سوف تتسارع إليه .. ولن يتسنى له أن يدرك كيف انتشر الهم في روحه، وسيطر الحزن على قلبه .. وقد يصل إلى مرحلة متأخرة يحتاج فيه إلى عملية استئصال لورم الغم، أو على أقل تقدير قد يحتاج إلى جرعات كيماوي تحارب انتشار الشجن والحزن .. وكلاهما موجع .. ونسبة الشفاء قد تكون ضئيلة ..
ولا شك أن المصائب كثيرة، والابتلاءات عديدة .. والحزن والألم مشاعر إنسانية طبيعية، بل ومفيدة .. فهي تهذب نفوسنا من الغرور مرة، وتقوينا مرة، وتقربنا من بعضنا مرة .. لكن، إن زاد مقدار الحزن أو طالت مدته .. أوهن القلب، وأعمى البصيرة، وأنهك الروح .. وانتشر الألم في كافة الجسد ..
أما الفرق بين المرضين: الحزن والسرطان .. أن مريض السرطان يحتاج إلى علاج يدخل جسده ليحارب انتشار المرض فيه .. أما مريض الحزن فإنه يحتاج إلى علاج يخرج من صدره، ليخبره: أن رعد الحزن مهما كان عاليًا فإن ضوء الفرج لا بد سابقه .. وأنه محال لعسر أن يتغلب على يسرين .. وأن للحزن ربٌّ كفيل بكشفه، إن توكل عليه حق التوكل ..
لذا .. لا تحزن .. وإن حزنت .. فلا تسمح للحزن أن يتمكن منك ..

يقول ربي تبارك وتعالى:
"بلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" .. (البقرة: ١١٢).
ويقول تبارك وتعالى في سورة الشرح:
"فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً" ..




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :