الصدوع السياسية و لحظة الصفر بقلم: فيصل سلايطه



في السياسة علينا أن نفهم أنّنا لن نفهم عنوانا مطلقا أو نهجا واحدا تمشي عليه السياسات العالمية , فصديق الصباح قد يمسي في المساء عدوا وتدور الدوائر في حلقة مُفرغة شحيح بها الاستيعاب و طويلة بها الشروحات, لكن تبقى الخطوط الواضحة و المعالم البارزة تحكي فترة من المخاض السياسي الذي يخفي من وراءه توائم من الهيمنة بعد عقودٍ من التوحّد الامريكيّ مقبلة على العالم اجمع .
ضرب مؤخرا صدع زلزاليّ مفاجئ أروقة السياسة السعودية الايرانية , الصدع لم يكن مفاجئا و صاعقا بقدر ما كانت الصفيحة التي حملها و ضمها , فالصين و على مدار عقود من النهوض لم تطرق ابواب السياسة في مشهد تزاحمي صاعق , فوساطة الصين تُقرأ من عدة جوانب , فهي تغلق صنبور بيع الاسلحة لدول الخليج فمن الآن الوحش الايراني سيكون صديقا و حليفا , و أيضا لا داع لتقرّب اسرائيلي خليجيّ ما دامت ايران صديقة , و لا يخفى على احد الحرب اليمنية التي تنتهي ما إن يصافح الكفّ الايراني الكفّ السعوديّ .
تناست الولايات المتحدة الامريكية لسنوات طِوال أنّ النهوض الاقتصادي لا بدّ يوما أن يحمل معه ثوران سياسي و تعطّشا نهما للسلطة , السلطة المطلقة التي تجعل الصين تفكّر بشكل كبير بازاحة الولايات المتحدة عن عرش العالم , فهي الآن قوة مختلّ من يستسهل جدّيتها فإن تشدّقت امريكا بالسيطرة على بحار العالم فالصين تسيطر أو على وشك السيطرة على " الشبكة المعلوماتية العالمية 5جي " التي تخوّلها التعمّق في كل معلومة مهما كانت صغيرة ,فهذه التقنية الجديدة تُدخل الدول في مشاعر متناقضة عنوانها " الخوف و الحُلم " فمعظم الدول و على رأسها امريكا باتت تقلق من هيمنة بكين على هذه الحقول المتطورة و في ذات الوقت تحلم أن تسبق التنين في التعمّق فيها و هذا ما يفسّر الحرب الضروس على كل تكنولوجيا صينية المنشأ مثل " تيك توك , هواوي" و غيرها من الشركات و العلامات التجارية .
أمّا في الداخل الامريكي فقد تكون الصين هي المستفيد الاول من انهيار بنك وادي السيليكون خصوصا إن تعمّقنا بالبحث بدور هذا البنك في دعم التكنولوجيا الفائقة و الشركات الريادية الصغيرة التي تُعنى بالتطوير و التكنولوجيا , و من غير الصين سوف يستفاد بتثبيط قدرات و مساعي واشنطن التكنولوجي في السباق المحموم الدائر ؟
في الحقيقة و بعيدا عن نظريات الحرب العالمية الثالثة الكثيرة , في الحقيقة نحن نعيش حربا عالمية من نوعٍ آخر قطباها الصين و من خلفها روسيا و على الضفة المقابلة الولايات المتحدة الامريكية و بريطانيا , أما المحور الثالث و هم الشرق الاوسط و الدول الاوروبية فيقبعون تحت وطأة " النفوذ و الاغراء " فتماما كلعبة " شدّ الحبل " يحاول كل محور استمالة الاطراف الباقية إلى جهته , هذا ما نراه جليّا في الوساطة الصينية لرأب الصدع السعودي_الايرانيّ .
الخطوة الامريكية في رفع الفائدة منذ الحرب الروسية الاوكرانية هزّت الاقتصاد الامريكية من الداخل , فالهلع ينتشر في امريكا و بريطانيا و الكثير من الدول من تداعيات انهيارات البنوك الحاصلة , فالخوف الآن أن تتدحرج كرة الثلج الافلاسية و تتكرّر مشاهد 2008 في هذا العام , الغموض الآن يكمن في انهيار هذا البنك بالتحديد فهل اصابت سهام الصين و روسيا العمق التكنولوجي الماليّ الامريكي كردٍ على تدخّل امريكا في تايوان و اوكرانيا , فعلى وجه التحديد كانت و ما زالت تايوان مصدر قلق كبير للصين من تنامي النفوذ الامريكي في البلد الذي يعتبر عصب و شريان الرقائق الالكترونية التي لا تقلّ اهمية عن الملف النووي في خطورتها و حساسيتها و اهمية السيطرة على صناعتها.
ما يحصل في امريكا و غيرها من الدول يجب أن يدفع العالم للتفكير بشكل جدّي بمسألة ربط العملات العالمية المختلفة بالدولار , فهذا الربط يجعل أي أزمة تضرب امريكا تتوزّع على أغلب دول العالم ما قد يؤدي لشلّل اقتصادي عالميّ خصوصا في الدول ذات الاقتصاد الهشّ أو القابل للانهيار جرّاء أي هزّة , هنا نعود لأساس المقال أن الدفّة الآن تسير باتجاه الفيلق الصيني الروسي الذي بات يضرب امريكا من تحت الطاولة دون الحاجة لضربات مباشرة , فهل تشهد الاشهر أو حتى السنوات القادمة حربا نووية أو تقليدية كتلك التي كانت تشهدها البشرية في العقود المنصرمة كردّ فعل لغريق يصارع الازمات ؟




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :