لصوص. بقلم: د . ميرفت سرحان


لصوص
بقلم الدكتورة ميرفت سرحان

كانت ليلة قمرية هادئة .. مليئة بالنجمات .. وما زالت تتراقص فيها الفراشات على أنغام نسمات الهواء الدافئة .. ولم تنه العصافير أنغام زقزقتها ..
شارف آدم على إنهاء رياضته المسائية اليومية .. التي لا يتوقف عن ممارستها، حتى لا يفقد مهاراته في ألعاب القوى التي يعتبر بارعًا فيها .. ثم ذهب لأخذ حمام دافئ .. وأغلق النوافذ والأبواب .. وأطفأ الأنوار .. وذهب إلى سريره .. عدل الوسادة وألقى بجسده على السرير .. وأغمض عينيه مستعدًا للنوم ..
بعد دقائق .. سمع صوتًا غريبًا .. وشعر بأحدهم يتسلل داخل بيته .. الصوت يقترب كثيرًا من غرفته .. فتح جزءا من عينيه، وكأنهما ما تزالان مغمضتان .. شاهد لصًا في غرفته .. حدق به جيدًا .. وحفظ ملامحه، كانت حادة ولئيمة .. رأى خنجرًا في يده، وسكينًا يخرج من طرف جيبه ..
فكر آدم ذو البنية القوية .. والفطنة الرصينة .. وقال لنفسه بأن عليه أن لا يسمح لهذا اللص أن يسرقه، لذا فعليه أن يقاومه .. ثم فكر قليلًا .. قد يقتلني وقد أقتله .. وفي كلا الحالتين أنا الخاسر الأكبر .. وبكل الأحوال أنا لا أحتفظ إلا بجزء يسير جدًا من ممتلكاتي في المنزل .. أما الجزء الأهم والأكبر فهي مخبئه في البنك .. ثم قرر .. لن أنسى هذه الملامح التي انتهكت حرمة بيتي، ولن أغفل يومًا عن محاسبة هذا اللص الذي حاول سرقة بعض من ممتلكاتي حتى لو كانت قليلة جدًا .. ومع ذلك فهو لن يفلح في هذه السرقة لأنه لا يعلم أنه بمجرد اقترابه من باب أي خزانة فإن جرس للإنذار سوف يقرع منبهًا بأن هناك دخيلًا في المنزل، وكفيلا بأن يجعله يفر خائفًا خاسرًا .. وهذا ما كان ..
ما حصل مع آدم يشبه ما يتعرض له الشخص الطيب .. فكثيرًا من الناس يظنون بأنه شخص ساذج، يمكن استغلاله ويمكن الاستيلاء على ممتلكاته .. فهم يعتقدون بأنه ضعيف غير قادر على الدفاع عن نفسه، أو صد محاولاتهم لسرقة جهده أو سلب ماله أو اختلاس أفكاره .. أو حتى محاولة التقليل من شأنه ظنا منهم بأن بذلك يرفع شأنهم، أو قد يزيد من قدرهم ..
ما لا يفهمه هؤلاء .. أن الطيبة ليست ضعفًا ولا سذاجة .. فالطيب شخص ذكي يفهم بأن هناك أشخاصا يريدون استغلال طيبته لتحقيق أهدافهم الخبيثة .. وهو شخص قوي يستطيع بكل بساطة أن يخبرهم بأنه على وعي تام بخداعهم .. وقادر على مواجهة كيدهم ومؤامراتهم، وبنفس أسلوبهم ..
لكنه شخص معتز جدًا بطيبته .. يأبى أن تشوهها ضغينة قد تصيب قلبه، أو أن يتلفها حقد يسيطر على عقله .. وهو يعلم جيدًا بأن تأثير مثل هؤلاء على مزاجه عارض مؤقت .. يشبه آثار الفيروس الذي يصيب الجسد تزول بإخراج هذا الشخص من حياته .. كما يزول المرض عندما يخرج الفيروس من الجسد ..
لذلك .. فكلما ازدادوا إصرارًا على استغلاله .. زاد إصراره على التمسك بطيبته ..

يقول ربي تبارك وتعالى في (سورة النور: ٢٢):
"وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُوٓاْ ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ ۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" ..




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :