عمانيات -

في لقاء ساذج مع مذيعة .. سألت فيه الطفل .. بعد أن نجا من تحت القصف .. ماذا تتمنى يا فارس؟!
أجاب فارس؛ بصوت متحشرج، وعيون دامعه، ووجه غاضب:
أتمنى أن أنام في سريري .. على فكرة؛ صنعه لي أبي، فهو نجار .. وسريري على شكل حصان .. أتمنى أن أتغطى بلحافي، وأضع رأسي على "مخدتي" إنهما مزركشان بصور ورسومات لخيول بمختلف الألوان؛ اشترتهم لي أختي رؤى كهدية في ذكرى يوم مولودي .. أتمنى أن أنام بهدوء؛ دون أن أسمع أصوات قصف وانفجارات .. أتمنى أن أنام بلا خوف من أن يصبح أبي أشلاء، أو أن تغدو أمي مشلولة، أو أن أفقد أختي تحت الركام .." ..
أتمنى أن أستيقظ في الصباح الباكر .. دون أن أرتجف ذعرًا، فأصلي فرضي، وأتناول فطوري، وأجهز حقيبتي، وأذهب إلى مدرستي، وألعب مع أصدقائي، ويعزز معلمي انجازي ..
أتمنى أن ألتقي مع جيراني بعد العصر .. نركب دراجاتنا، ونركض وراء بعضنا، ونشتري حاجيات من بقالة الحارة .. نجلس على الرصيف؛ نتحاور ونتشاجر .. نستحدث ألعاب، ونبتكر اختراعات ..
أتمنى أن أذهب في المساء مع أسرتي إلى بيت جدي .. نلتف مع أبناء عمومتي وأقاربي حوله .. فيقص علينا حكاياه القديمة .. ويخبرنا عن القضية .. ويطعمنا من ثمار أرضه .. وعندما نغادر؛ يودعنا واحدًا تلو الأخر، يضع احدى يديه على رؤوسنا ويضمنا بالأخرى إلى صدره ..
ثم أعود لبيتي من جديد .. أتسابق مع إخوتي وأخواتي إلى "ريموت" التلفاز .. وتوبخنا أمي لأن علينا الاستحمام .. وينزعج أبي من الضجيج والصراخ .. ثم أنام في سريري وأتغطى بلحافي ..
أخبريني يا سيدتي المذيعة .. هل تعتقدين أن أمنياتي هذه مشروعة؟!
صحيح؛ يا سيدتي .. نسيت أن أطلعك على أول وأهم أمنياتي!! .. قل يا فارس .. أتمنى أن أكبر وأقضي بيدي على عدوي الذي سلب أرضي، وشتت أهلي، وسوّد حياتي، وقتل أحلامي، وشوه أمنياتي .. ثم أعود إلى بيتي من جديد .. وأنام في سريري وأتغطى بلحافي ..
فهل أمنيتي هذه مشروعة؟! ..
كل ما أتمناه .. أن أعيش في أمان على أرضي، وداخل بيتي، وفي سريري ..
أظن أن أمنيتي هذه يا سيدتي المذيعة؛ مشروعة؟! .. مشروعة ..

يقول ربي تبارك وتعالى:
"أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ " ..
(الحج: 39) ..