كأني كنت معهم بقلم: فراس ابو حميدان


عمانيات -


مع ضوء الصباح الباكر تربض طائرات شحن عسكرية ضخمة من طراز هيركوليز سي-130 أردنيه على مدرج قاعدة لسلاح الجو الملكي الأردني في احدى القواعد النائيه حيث توفر هذه الطائرات الضخمة ظلًا من شمس الصباح للفرق التي وصلت مبكرًا حيث يبدأ دورهم بدقة، حيث يقوم مهندسي وفنيي الصيانة بفتح حجرة في جسم الطائرات ويختفون خلف غطاء معدني يحمي مجموعة معقدة من الأسلاك والمعدات وتجهيز هذه الطائرات للتحميل .
الرجال، يتحدثون بألفة دافئة أثناء قيامهم بإجراء فحوصات ما قبل عملية التحميل والطيران النهائية.

من المقرر أن تنطلق هذه الطائرات وهي نموذج يستخدم غالبا لإنزال القوات أو المعدات أو المساعدات من الجو في مواقع يصعب الوصول إليها لإسقاط المساعدات جوا الى اجواء غزة عند منتصف نهار ذلك اليوم .

تاتي الشاحنات العسكريه المحمله بالمواد الغذائيه والطبيه وتصطف خلف الطائرات لتحميلها على الطائرات الجاثمه.
يلقي الرجال نظرة أخيرة على بطن الطائرات بعد التحميل حيث قاعدة التحميل مثبتة بإحكام لكل منها، حيث توجد لكل طائره 16 منصة تحميل كبيرة تمتليء بالمساعدات الأساسية في عنبر الشحن حيث تبدو مكتملة التجهيز.

مجموعة من العربات العسكرية تصل إلى المدرج ويخرج منها العديد من أفراد القوات الخاصة الذين يرتدون القبعات الحمراء المميزة، للتحقق من المظلات المرفقة بالحمولة، فيها مجموعات من المتخصصين يتعاقبون، كلما أكمل فريق فحصه، يأتي فريق آخر لإجراء فحص آخر للحمولات حيث يبدو الجميع صارما في هيئته وعمله، هذه مهمة شخصية لهؤلاء الضباط الأردنيين، الذين يشعرون أن هويتهم متشابكة بعمق مع هوية جيرانهم الفلسطينيين ويريدون التأكد من أن المهمة ستسير دون أي عوائق، لإبقاء الأمور ضمن الشروط، وإن الفنيين يبقون كل شيء يعمل من "أصغر الترباس إلى الأجنحة الكبيرة"، مع ربت على جسم الطائرة، بإن العمل اكتمل في الوقت المناسب ويغادرون الموقع.

يتجول أفراد اخرين من القوات الخاصة المتخصصه عبر المنصات الكبيرة في مخازن الأمتعة ملفوفة بشكل آمن بأغطية من البوليثين مع صناديق من الورق المقوى تحتوي على عبوات المواد الغذائية الجافة وعبوات الحليب ويقوم ضباط من القوات الخاصة بسحب أحزمة المظلات لكل منصة نقالة حيث هي المسؤولة عن المظلات ، لذلك فهم يأخذون وقتهم في سحب كل حزام، وتعتبر المظلات حيوية لأي عملية إسقاط للمساعدات، حيث إن هذه المنصات الثقيلة تسقط من ارتفاعات كبيرة، وهي قاتلة إذا لم يبطئها شيء،

وأخيرا يحين وقت الانطلاق، حيث أُغلقت الأبواب، واشتغلت المحركات تقذف شفراتها العملاقة الرمال وأصبح كل شيء جاهزاً، وتدحرجت الطائرات على المدرج، وسرعان ما ارتفعت في عنان السماء وما ان انحسر أفق عمان من خلال النوافذ وتختفي ضواحي المدينة الجبلية، المليئة بالمباني السكنية خلف غطاء من السحب الخفيفة المنخفضة.

يطغى ضجيج المحرك على أي ضجيج آخر، ويتعين على الماستر التواصل مع الطيارين عبر سماعات الرأس والاخرين يركزون، وتبقى أنظارهم ثابتة على النوافذ فوق الهدف المنشود .

من خلال السحب يظهر شمال فلسطين ويتم قبلها التنسيق الدولي لعمليات الإنزال الجوي، حيث قام الطيارين والطاقم المرافق بالعديد من المناورات في مجال جوي مقيد بإحكام خلال ساعة ونصف الساعة من العمليه، وكانت هذه عملية معقدة تتطلب تخطيطًا صارمًا وفحوصات أمنية متعددة وتنسيقًا حساسًا بين عدة دول، عندها حلقت الطائرات غربا باتجاه يافا ومن ثم البحر الأبيض المتوسط ​​قبل أن تنعطف جنوبا وثم شرقا بشكل حاد لتسير موازية لساحل غزه من الجنوب إلى الشمال.

يقف اثنان من أفراد القوات الخاصة في الجزء الخلفي من الطائرة بجوار المنصات، وينقلان وزنهما من قدم إلى أخرى بينما ترتفع الطائرة وتهبط خلال اضطرابات خفيفة، إنهم يربطون أنفسهم بأحزمة الأمان قبل أن يأتي زملاؤهم للتحقق مرة أخرى من أن كل شيء وكل شخص مثبت بشكل آمن داخل الطائرة.

تهتز الطائرة عندما تتعرض لمطبات جوية، ويصل الجميع إلى شيء ما ليمسكوا به، ليرفع مدير الانزال علامة الإبهام لأعلى، في الوقت المناسب تمامًا لتتجه الطائرة بحدة نحو الشواطئ الرملية في غزه، وتنحدر مقدمة الطائرة بشكل حاد لتظهر من النوافذ مشهدًا لأفق مدينة غزة المدمرة، ينفتح باب الحمولة، مما يجعل الجميع يحدقون في الأفق بينما يتدفق ضوء الشمس الساطع.
يسحب الطيار مقدمة الطائرة إلى الأعلى، ليختفي الأفق عن الأنظار، وتظهر فجأة مدينة غزة عبر الباب المفتوح في الجزء الخلفي من الطائرة. يرفع مسؤول الاسقاط إبهامه لأعلى لتحرير صف من الصناديق من الحبال التي تثبتها لتسحبها الجاذبية فوق مساراتها وتسقط من الطائرة، ثم تطلق المظلات ومضات من اللون الوردي والأزرق وتنحسر بسرعة في الجو. إبهام آخر من مسؤول الانزال ويتم إطلاق الدفعة الثانية لبضع لحظات مهيبة، لم يتحرك أحد بينما بدت المظلات التي أصبحت الآن مجرد بقع، تهبط قرب الشاطئ ولقد بدأ الطاقم بعدها بالاسترخاء في الجزء الخلفي من الطائرة، وبدا عليهم الارتياح لأن الأمور سارت دون أي عوائق حيث يقوم أفراد القوات الخاصة بإزالة أحزمتهم ويجتمعون لمناقشة كيفية سير المهمة، والجميع ينظرون بصمت إلى مدينة غزة والتي أصبحت فيها المباني السكنية في حالة خراب، وتبدو مساحات كبيرة من المدينة مدمرة بالكامل تقريبا، وعندما تستوي الطائرة، يفسح منظر المدينة الطريق أمام ريف غزة، الذي يعاني بالقدر نفسه من الدمار الشديد الناجم عن الحرب الإسرائيلية المتواصلة على غزة، تغلق الفتحة وتتجه الطائرة غربا فوق البحر الأبيض المتوسط ثم شمالا وثم تتجه شرقا من حيث اتت عائدة الى ارض الوطن ، وبعد حوالي نصف ساعة، هبطت الطائرة في القاعدة الجوية، وتوقفت محركاتها.

إن التناقض بين المناظر الطبيعية التي مزقتها المعركة والحقول المستوية نسبيا تحدد أين تنتهي غزة وتبدأ جنوب فلسطين التي يمكن رؤيتها من النوافذ.

"الفلسطينيون في قطاع غزة لا يستحقون ما يحدث لهم هم إخوتنا ".




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :