شابٌ خلوق بقلم : الدكتورة ميرفت سرحان




بعد صلاة العصر بقليل طرقت بابي احدى السيدات .. وكانت تبدو على ملامحها علامات الضيق والغضب .. وبعد الترحيب بها، وسرد الأسئلة والعبارات التقليدية .. قالت لي بصوت حزين: هل تعلمين ماذا صنع سامر؟!! ..
قلت: أعرف عنه أنه شاب صالح، فهو مهذب ومتفوق ..
قالت: هنا تكمن المصيبة!! ..
قلت: يا لطيف! .. أيةُ مصيبة؟! .. ماذا حصل؟! ..
قالت: لقد وجدت سجائر في حقيبته! .. هل تصدقين ذلك؟! سامر!! سامر!! .. والله لو وجدتها في حقيبة أخيه ما انزعجت حتى! .. لكن سامر! سامر! ..
قلت: هوّني عليك، واهدئي قليلاً ..
قالت: كيف أهدأ؟! .. عندما شاهدت السجائر شعرت بالدوار، ودون وعي مني بدأت أضربه، وأشتمه بأبشع العبارات .. إلى أن اعترف لي، بأنّها ليست له وإنّما لصديقه خالد، خبأها معه حتى لا يعرف والده بأنه يدخن ..
قلت: حسنًا، فهل تأكدتِ بأنها ليست له؟ ..
قالت: نعم، سألت صديقه، وأكد لي بأنّ سامر لم يدخن قط في حياته، وأنّ هذه السجائر له وليست لسامر ..
قلت: حسنًا .. لمَ الغضب إذن؟! ..
قالت: وإن لم يدخن، كيف يتستر على صديقه؟! .. فهو كما تعلمين شاب خلوق .. ولا يرتكب المعاصي، ولا يقع في أخطاء أبناء جيله .. وأكملت: آه لو تعرف نساء العائلة بذلك!! .. سوف يشمتن بي وبإبني .. ففي كل اجتماع للعائلة تكون كل الأنظار عليه، ويحاول الجميع تصيد الأخطاء له .. والله لن أسامحه على ما فعل ..
صمتت قليلًا .. ثم قلت للسيدة: أنا لن أناقش موضوع السجائر .. ولن أحكم على الشاب الخلوق إن كان قد أخطأ أو لم يخطئ ..
ولكنّ .. في الواقع فإن هذه ظاهرة جلية، ومحيرة في ذات الوقت .. فلماذا نبذل جهدًا مضاعفًا في تتبع سلوك الشاب الخلوق -أو الشابة- لنتصيد حتى أقل هفواته ونعايره بها؟! .. هل لأننا على قناعة بأنه لا وجود للشباب الخلوق هذه الأيام؟! .. أم لأننا نخاف أن يقارن سلوكنا بسلوكهم، فتكون الأفضلية لهم؟!، وكبرياؤنا لا يسمح بذلك!! .. أم لأننا اعتدنا أن نشوه كل جميل حولنا .. أو أنّ الأخلاق أصبحت عبئًا يثقل ظهورنا في زمن سادت فيه المادية، فلا اعتبار فيه إلا للنقود والشهرة؛ بغض النظر عن أسلوب الوصول لها .. ولا أهمية إلا للمصلحة الشخصية حتى لو داست على كل ما يعترض طريقها ..
وأخيرًا .. لماذا يظنّ الناس أنّ الشاب الخلوق لا يرتكب المعاصي؟! .. ولا يقع في الآثام؟! .. أليس إنسانًا حاله كحال باقي البشر؟! .. يصيب أحيانًا، ويخطىء في أخرى؟! .. أليس كذلك!! ..
ولكنّ ما يميز الخلوق؛ أنه إذا أخطأ لا يصر على خطئه .. وأنه لا يدوس على غيره في سبيل تحقيق مصلحته ..

يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ:
"كلُّ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ، وخيرُ الخطَّائينَ التَّوَّابونَ" ..
الترمذي (2499) ..
كَما يقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ:
"وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ، فَيَغْفِرُ لهمْ" ..
مسلم (2749) ..




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :