• الرئيسية
  • مقالات

  • مَازِنُ القَاضِي "هَامُ البَاس" رَجُلُ المَرْحَلَةِ وَسَنَدُهَا وَمَلْجَأُهَا بقلم: جميل القاضي

مَازِنُ القَاضِي "هَامُ البَاس" رَجُلُ المَرْحَلَةِ وَسَنَدُهَا وَمَلْجَأُهَا بقلم: جميل القاضي


مَازِنُ القَاضِي "هَامُ البَاس" رَجُلُ المَرْحَلَةِ وَسَنَدُهَا وَمَلْجَأُهَا

بِقَلَمِ المُسْتَشَارِ الإِعْلَامِيِّ / جَمِيل سَامِي القَاضِي

الحَمْدُ لِلَّهِ الذي جَعَلَ مِنَ الرِّجَالِ صُخُوراً تَتَكَسَّرُ عَلَيْهَا أَمْوَاجُ الْخِلافِ، وَالشُّكْرُ لَهُ سُبْحَانَهُ أنْ جَبَلَ فِي بَعْضِ النُّفُوسِ عَظَمَةً تَسْكُنُ إِلَيْهَا الْقُلُوبُ، وَيستظل بِظِلِّهَا الْوَطَنُ. أَمَّا بَعْدُ..

فَهَذِهِ سَطْرَاتٌ تَتَحَدَّثُ عَنْ رَجُلٍ لَيْسَ كَالرِّجَالِ، لَئِنْ كَانَتِ الشَّهَادَةُ لَهُ فَهِيَ شَهَادَةُ حَقٍّ وَإِنْ جُرِحَتْ بِحُبٍّ، وَلَفْظَةُ صِدْقٍ وَإِنْ غَلَا بِهَا الْمَدْحُ، فَالرَّجُلُ أَعْلَى مِنْ كُلِّ أَلْفَاظِنَا، وَأَجَلُّ مِنْ كُلِّ أَلْقَابِنَا
هُوَ بيننا الشَّيْخُ الْقَائِدُ، السَّيْفُ الصَّارِمُ، الْحَكِيمُ الْوَدُودُ، الْقَائِدُ الَّذِي لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَفِيَّةٌ، وَالشَّيْخُ الَّذِي تَأْوِي إِلَى فِنَائِهِ الْقَبيلة .

لَقَدْ مَنَحَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - مُنْذُ نُعُومَةِ أَظْفَارِهِ، وَهُوَ الْفَتَى الْيَفْعُ، مَا لَمْ تَمْنَحْهُ إِيَّاهُ الشَّهَادَاتُ الْعَالِيَةُ وَحْدَهَا، وَلَمْ تُعْطِهِ إِيَّاهُ الْقُدُرَاتُ الْفِطْنِيَّةُ فَحَسْبُ؛ بَلْ مَنَحَهُ سُبْحَانَهُ نِعْمَةً أَعْظَمَ، وَهُدِيَّةً أَجَلَّ، مَنَحَهُ أَنْ يَكُونَ "قُدْوَةً". فَالْقُدْوَةُ لَيْسَتْ مَنْصِباً يُعْطَى، وَلَا لَقَباً يُكْتَسَبُ، إِنَّهَا رُوحٌ تَسْرِي بَيْنَ الْخَلْقِ، وَسِحْرٌ خَفِيٌّ يَأْخُذُ بِالْقُلُوبِ إِلَى مَحَبَّتِهِ وَطَاعَتِهِ، وَهِيَ الْهِبَةُ الَّتِي تَفُوقُ كُلَّ هِبَةٍ.

وَالْيَوْمَ، وَقَدِ ارْتَحَلَ بِهِ الزَّمَانُ إِلَى مَرَاحِلَ أَعْلَى، وَأَسْنَدَتْ إِلَيْهِ الْأُمَّةُ أَمَانَةً أَثْقَلَ، نَرَاهُ يَسْتَخْدِمُ حَنَكَتَهُ السِّياسِيَّةَ الْفَذَّةَ، وَيَبْنِي التَّحَالُفَاتِ الْكَبْرَى، لَا لِتَنْصِيبِ ذَاتِهِ، وَلَا لِتَرْفِيعِ مَكَانَتِهِ الشَّخْصِيَّةِ؛ بَلْ لِرَفْعَةِ الْوَطَنِ كُلِّهِ، وَإِعْلاءِ شَأْنِهِ بَيْنَ الْأُمَمِ. وَلِهَذَا كُلِّهِ، لَمْ يَتَرَدَّدْ مُمَثِّلُو الشَّعْبِ وَالْوَطَنِ أَنْ يَتَّفِقُوا عَلَيْهِ، لِأَنَّهُمْ وَجَدُوا فِيهِ أَصَالَةَ الْأَصَائِلِ، وَشُمُوخَ الْجِبَالِ، وَعَنْفَوَانَ الصَّحْرَاءِ، وَكَرَمَ السَّلِيلِ الْأَصِيلِ. فَفِيهِ تَجْتَمِعُ أَنْفَاسُ هَذَا الْوَطَنِ الْعَزِيزِ، وَفِي قَلْبِهِ تَنْبَضُ هُوِيَّتُهُ.

وَنَحْنُ - مَنْ عَرَفَكَ وَرَافَقَكَ - نَدْرِي جَيِّداً مَا تُخَبِّئُهُ يَدَاكَ مِنْ بَطُولَاتٍ صَامِتَةٍ، وَنُدْرِكُ عُمْقَ شَجَاعَتِكَ الَّتِي تَتَحَرَّى الدَّقِيقَ مِنَ الْأُمُورِ. فَأَنْتَ - أَبَا يَزِيدَ - خَيْرُ مَنْ يَعْرِفُ مَتَى تُسْتَخْدَمُ الْقُوَّةُ الصَّارِمَةُ بِحَزْمٍ لِتَقْوِيمِ الْمِعْوَجِّ، وَمَتَى تُسْتَخْدَمُ الْقُوَّةُ النَّاعِمَةُ بِحِكْمَةٍ لِفَتْلِ الْعَدَاوَاتِ وَبِنَاءِ الْوُدُودِ، لِهَذَا اتَّفَقُوا عَلَيْكَ، لِأَنَّهُمْ يَثِقُونَ بِبَصِيرَتِكَ النَّافِذَةِ حِينَ تَشْتَبِكُ الْأُمُورُ، وَتَتَعَقَّدُ الْمَسَائِلُ، وَتَحْتَارُ فِيها الْعُقُولُ.

وَفَوْقَ هَذَا كُلِّهِ، فَأَنْتَ تُمَثِّلُ أَصَالَةَ شَيْخِ الْعَشِيرَةِ الَّذِي لَا يُنْكِرُهُ إِلَّا جَاحِدٌ، وَلا يُجَاهِرُ بِضِدِّهِ إِلَّا حَاسِدٌ و أَنْتَ ذَاكَ الرَّجُلُ الَّذِي يَحْفَظُ الْوُجُوهَ، وَيَكْرَمُ الضَّيْفَ، وَيُجِيرُ الْمُسْتَجِيرَ، وَيُقِيمُ الْحَقَّ، وَيُصْلِحُ ذَاتَ الْبَيْنِ حَتَّى تَعُودَ أَقْوَى مِمَّا كَانَتْ. لِهَذَا اتَّفَقُوا عَلَيْكَ، لِأَنَّكَ لَسْتَ غَرِيباً عَنْ نَسِيجِهِمُ الْقَبَلِيِّ وَالْوَطَنِيِّ، بَلْ أَنْتَ الْخَيْطُ الَّذِي يَجْمَعُ شَتَاتَهُ، وَسِحْرُهُ الَّذِي يُوحِّدُ قِطَعَهُ، وَخَيْطُ النَّجَاةِ لَهُ إِذَا حَارَتْ بِهِ السُّبُلُ.

لَقَدْ كَانَ الْعَدْلُ - وَمَا يَزَالُ - هُوَ مِيزَانَكَ الثَّابِتَ الَّذِي لَا يَمِيلُ مَعَ الْهَوَى، وَلَا يَضْطَرِبُ لِأَجْلِ الْجَاهِ وَالْمَالِ، وَلَدَيْكَ مِنَ الْحِكْمَةِ مَا يُمَيِّزُكَ، فَأَنْتَ تَضَعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي مَوْضِعِهِ الْحَقِّ، كَمَا تُوضَعُ الشَّمْسُ فِي كَبِدِ السَّمَاءِ، وَالْقَمَرُ فِي جَبِينِ اللَّيْلِ. وَإِلَى جَانِبِ ذَلِكَ كُلِّهِ، فَقُوَّتُكَ هِيَ الْقُوَّةُ الْهَادِئَةُ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ إِلَى ضَجِيجٍ، وَهِيَ ثَابِتَةٌ رَاسِخَةٌ كَالْجِبَالِ الرَّوَاسِي، وَجُذُورُكَ ضَارِبَةٌ فِي أَعْمَاقِ تُرَابِ هَذِهِ الْأَرْضِ الطَّيِّبَةِ، تَعْرِفُ - يَا أَبَا يَزِيدَ - مِنْ أَيْنَ أَتَيْتَ، وَإِلَى أَيْنَ تَمْضِي، وَعَلَى أَيَّةِ طَرِيقَةٍ تَسِيرُ. وَكُلُّنَا يَعْلَمُ أَنَّ شَرْعِيَّتَكَ لَمْ تُمْنَحْ لَكَ بِمَرْسُومٍ، وَلَمْ تَأْتِكَ بِوَرَاثَةٍ بَلِ اكْتَسَبْتَهَا بِعَرَقِ جَبِينِكَ، وَصِدْقِ مَوْقِفِكَ، وَعَظِيمِ إِخْلاصِكَ.

أَبَا يَزِيدَ.. كَحِيلانَ.. يَا فَارِسَ الْقَبِيلَةِ الَّذِي لَا يُهْزَمُ.. نَعَمْ، أَنْتَ هُوَ "الرَّجُلُ الَّذِي يُحْتَكَمُ إِلَيْهِ" حِينَ تَعْجِزُ السُّبُلُ، وَتَتَعَقَّدُ الْأُمُورُ، وَتَتَشَابَكُ الْمَصَالِحُ، وَتَرْفَعُ الْأَصْوَاتُ. فَإِذَا بِكَ تَكُونُ "كَلِمَةَ الْفَصْلِ"، لَيْسَ لِأَنَّكَ الْأَقْوَى بَأْساً، وَلَا الْأَكْثَرُ مَالاً، وَلَا الْأَعْلَى صَوْتاً؛ بَلْ لِأَنَّكَ الْأَعْدَلُ قَلْباً، وَالْأَوْثَقُ مَبْدَأً، وَالْأَقْرَبُ إِلَى الْحَلِّ الْأَمْثَلِ. وَلِهَذَا، فَلِكَلِمَاتِكَ وَقْعٌ مُخْتَلِفٌ عَنْ كَلِمَاتِ غَيْرِكَ، لِأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ مِنْ فَمِكَ إِلَّا بَعْدَ رَوِيَّةٍ، وَلَا تُقَالُ إِلَّا لِلْحَقِّ، وَلَا تَهْدِفُ إِلَّا لِلْخَيْرِ وَالْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ. وَنَظَرَاتُكَ تَحْمِلُ فَهْماً عَمِيقاً لِأَعْمَاقِ النُّفُوسِ، وَمُصَافَحَتُكَ تَزْرَعُ الطُّمَأْنِينَةَ فِي الْقُلُوبِ الْخَائِفَةِ.

وَالْيَوْمَ، كَمَا أَنْتَ دَوْماً، لَا تَحْمِلُكَ الْأَعْبَاءُ الْجَسِيمَةُ إِلَّا وَهِيَ تَعْلَمُ أَنَّ حَامِلَهَا أَمِينٌ، وَلَا تَأْتِيكَ الْأَزْمَاتُ الْعِظَامُ إِلَّا وَهِيَ تَعْلَمُ أَنَّ مُسْتَقْبَلَهَا لَدَيْكَ آمِنٌ، وَأَنَّ بَابَكَ مَفْتُوحٌ لِكُلِّ مُهِمَّةٍ صَعْبَةٍ، وَكُلِّ قضِيَّةٍ مُلِحَّةٍ.

حَفِظَكَ اللَّهُ يَا أَبَا يَزِيدَ، وَأَطَالَ فِي عُمُرِكَ وَصِحَّتِكَ، وَحَفِظَ هَذَا الْوَطَنَ الْغَالِي، وَ حفظ جلالة الملك عبدالله الثاني المعظم قَائِدَ هَذَا الْحِمَى الْعَرَبِيِّ الْهَاشِمِيِّ الَّذِي نَحْنُ جَمِيعاً نَتفيَّأُ بِظِلِّهِ الْوَارِفِ، وَنَلُوذُ بِرَأْيِهِ السَّدِيدِ. الذي جعله اللَّهُ سَدّاً مَنِيعاً فِي وَجْهِ الْفِتَنِ، وَقِنْدِيلَ هُدًى فِي ظَلَامِ التَّشَاحُنِ، وَسِرَاجاً مُنِيراً عَلَى طَرِيقِ التَّوَافُقِ وَالالْتِفَافِ.

ابْنَ عَمِّ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ لَيْسَتْ مُجَامَلَةً تُقَالُ، وَلَا تَكَلُّفاً يُرْتَقَبُ لَهُ جَزَاءٌ؛ بَلْ هِيَ اعْتِرَافٌ بِالْجَمِيلِ لِمَنْ وَهَبَ نَفْسَهُ وَعُمُرَهُ لِيَكُونَ جِسْراً لِلتَّوَاصُلِ، وَعَمُوداً رَفِيعاً لِلاِسْتِقْرَارِ، وَسَيْفاً قَاطِعاً لِلدَّاءِ وَالدَّوَاءِ. فَاجْزَاكَ اللَّهُ عَنَّا خَيْرَ الْجَزَاءِ، وَأَحْسَنَ إِلَيْكَ، كَمَا أَحْسَنْتَ إِلَى الْوَطَنِ وَأَهْلِهِ.

وَآخِرُ دَعْوَانا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :