صناعة الخبر من السذاجة إلى الخطر. أ.د. محمد حسن الزعبي
عمانيات - نحن نعيش في زمن غابت عن أحداثه البراءة وارتحلت عن دياره الطهارة وتزوج المكر الخديعة فولد الشر والمؤامرة. أصبح الخير يتقهقر والشر يبسط نفوذه ويسيطر. هذه الأيام أيام نحس انتصر فيها الظالم واضطر فيها المظلوم أن يسالم، تقدمت جحافل النفاق وضيقت على الأحرار الخناق فلم يبق لهم إلى الصمت الذي لا يطاق. لقد حكم على الحق بالتطرف وحكم للباطل بحسن التصرف، حكم على الأدب بالغلظة واتهم بالخشونة أما الفجور فأعطي وسام التحضر والليونة. تبعثرت الثوابت والقيم وحل محلها التفاهة وبيع الذمم، غاب الدين وتحكم بالعالم حلفاء الشياطين، فلم تعد ترى في الحياة قيم أو تشعر لها بطعم.
في خضم الأحداث التي نعيشها والتي ترسم أبعادها وسائل الإعلام المختلفة، لا نجد إلا هذه الماكينة التي تصنع لنا الخبر فلا نعلم هل نحن مقبلون على خير أم ننتظر الخطر. علينا أن ندرك أن هندسة الخبر ليست صياغة جملة مفيدة فقط وإنما هي رصاصة تدافع عن المستمع أو تقتله. صياغة الخبر هي هجوم غير مسلح دفاعا" عنك أو عليك. قبل أن أفند مزاعمي هذه سأروي لكم هذه القصة.
عندما كنت أدرس في بريطانيا قبل ما يزيد عن عشرين عاما حدثني دكتور من فلسطين الحبيبة كان أستاذا في الفيزياء في جامعة مانشستر وقال لي بأن أحد زملائة الانجليز قد دعاه ليسهر عنده ذات ليلة. وبينما كانوا يشاهدون نشرة الأخبار وكانت تنقل أحداث الانتفاضة لاحظ زميلنا أن ابن الرجل الإنجليزي يتفاعل مع أحداث الانتفاضة لصالح الجنود اليهود ويشجعهم على إطلاق النار على المتظاهرين. امتعض زميلنا وقال للانجليزي هل أنتم تربون أولادكم على ذلك. قال لا ولكن هي وسائل إعلامنا ومهندسو الخبر. أنظر إلى الصور وصياغة الخبر. لقد أظهرت الصور أن الجندي المحتل مسكين يتلقى الحجارة وينحني خوفا" على نفسه وفي الحقيقة كانت لإظهار أنه في موقف دفاع ولهذا كانت ردة فعل الصبي بتشجيع الجندي بأن يدافع عن نفسه بإطلاق الرصاص.
لم يتغير شيء على أصول خوارزميات المكر والخديعة لدى أعدائنا ولكنها تطورت كثيرا وانتقلت إلينا. إنني أصعق عند سماع ترتيب جمل الخبر الذي أسمعه من محطات إذاعاتنا وتلفزيوناتنا العربية وأكاد أجزم أن صانع الخبر إما ساذجا جاهلا" أو ماكرا" مظلالا". عندما تبدأ خبرك بمقتل جنود صهاينة على يد المقاومة ولا يعلم المستمع إلا في نهاية الخبر أن هؤلاء الجنود قد قتلوا مئات المدنيين العزل فاعلم أنك قد شككت المستمع وأرسلت له رسالة خاطئة عن الحقيقة. وعنما يقول الخبر كان اليوم هناك مقتل لجنود صهاينة ردا" على نيران المقاومة سيفهم القارئ أن المقاومة هي المعتدية. وعندما تركز على إعادة الخبر الذي فيه تعاطف مع المحتل فهذه ليست مهنية إعلامية وعندما يصر المذيع على إيقاع ضيفه في الفخ ويقوله ما لا يقل لصالح العدو فاعلم أن صانع الخبر ليس بساذج إنما صانع شر.
إن الخبر بندقية والمقالة مدفع والتقرير صاروخ والصورة قذيفة، لهذا فإن صناعتها تحتاج إلى جيل مدرب وفريق مؤهل، لأن الحروب الإعلامية باتت لا تقل أهمية عن المعارك العسكرية. وسائل إعلامنا بحاجة إلى إعلاميين أصحاب مبدأ وخبرة وباع طويل في صناعة الخبر وتوجيه السؤال والمناظرة فالاحداث الجسام تحتاج إلى قامات إعلامية ليقودوا المعركة كما القادة العسكريين. ما مر بنا من أحداث هو مقدمة لمعركة طويلة بين الحق والباطل ولكننا مؤمنون بأن الحق سينتصر ولو طال الزمن.
أ.د. محمد حسن الزعبي
جامعة اليرموك
في خضم الأحداث التي نعيشها والتي ترسم أبعادها وسائل الإعلام المختلفة، لا نجد إلا هذه الماكينة التي تصنع لنا الخبر فلا نعلم هل نحن مقبلون على خير أم ننتظر الخطر. علينا أن ندرك أن هندسة الخبر ليست صياغة جملة مفيدة فقط وإنما هي رصاصة تدافع عن المستمع أو تقتله. صياغة الخبر هي هجوم غير مسلح دفاعا" عنك أو عليك. قبل أن أفند مزاعمي هذه سأروي لكم هذه القصة.
عندما كنت أدرس في بريطانيا قبل ما يزيد عن عشرين عاما حدثني دكتور من فلسطين الحبيبة كان أستاذا في الفيزياء في جامعة مانشستر وقال لي بأن أحد زملائة الانجليز قد دعاه ليسهر عنده ذات ليلة. وبينما كانوا يشاهدون نشرة الأخبار وكانت تنقل أحداث الانتفاضة لاحظ زميلنا أن ابن الرجل الإنجليزي يتفاعل مع أحداث الانتفاضة لصالح الجنود اليهود ويشجعهم على إطلاق النار على المتظاهرين. امتعض زميلنا وقال للانجليزي هل أنتم تربون أولادكم على ذلك. قال لا ولكن هي وسائل إعلامنا ومهندسو الخبر. أنظر إلى الصور وصياغة الخبر. لقد أظهرت الصور أن الجندي المحتل مسكين يتلقى الحجارة وينحني خوفا" على نفسه وفي الحقيقة كانت لإظهار أنه في موقف دفاع ولهذا كانت ردة فعل الصبي بتشجيع الجندي بأن يدافع عن نفسه بإطلاق الرصاص.
لم يتغير شيء على أصول خوارزميات المكر والخديعة لدى أعدائنا ولكنها تطورت كثيرا وانتقلت إلينا. إنني أصعق عند سماع ترتيب جمل الخبر الذي أسمعه من محطات إذاعاتنا وتلفزيوناتنا العربية وأكاد أجزم أن صانع الخبر إما ساذجا جاهلا" أو ماكرا" مظلالا". عندما تبدأ خبرك بمقتل جنود صهاينة على يد المقاومة ولا يعلم المستمع إلا في نهاية الخبر أن هؤلاء الجنود قد قتلوا مئات المدنيين العزل فاعلم أنك قد شككت المستمع وأرسلت له رسالة خاطئة عن الحقيقة. وعنما يقول الخبر كان اليوم هناك مقتل لجنود صهاينة ردا" على نيران المقاومة سيفهم القارئ أن المقاومة هي المعتدية. وعندما تركز على إعادة الخبر الذي فيه تعاطف مع المحتل فهذه ليست مهنية إعلامية وعندما يصر المذيع على إيقاع ضيفه في الفخ ويقوله ما لا يقل لصالح العدو فاعلم أن صانع الخبر ليس بساذج إنما صانع شر.
إن الخبر بندقية والمقالة مدفع والتقرير صاروخ والصورة قذيفة، لهذا فإن صناعتها تحتاج إلى جيل مدرب وفريق مؤهل، لأن الحروب الإعلامية باتت لا تقل أهمية عن المعارك العسكرية. وسائل إعلامنا بحاجة إلى إعلاميين أصحاب مبدأ وخبرة وباع طويل في صناعة الخبر وتوجيه السؤال والمناظرة فالاحداث الجسام تحتاج إلى قامات إعلامية ليقودوا المعركة كما القادة العسكريين. ما مر بنا من أحداث هو مقدمة لمعركة طويلة بين الحق والباطل ولكننا مؤمنون بأن الحق سينتصر ولو طال الزمن.
أ.د. محمد حسن الزعبي
جامعة اليرموك
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات
الرد على تعليق