عندما كان الخبز تحت الفرشة كنا أغنياء د. نضال شديفات
عمانيات - ذكريات اليرموك
عندما كان الخبز تحت الفرشة كنا أغنياء
د. نضال شديفات
تمر الأيام، وتعود الذاكرة إلى أيام الدراسة وفصل الشتاء بجامعة اليرموك في تسعينات القرن الماضي، حيث كانت الجامعة لوحة إنسانية رائعة تجمع أبناء الأردن من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب، ومن طلبة فلسطين والخليج إلى الجاليات الإسلامية.
كنا جيلاً تتقابل فيه الأحلام والتحديات، نعيش في سكن الطلبة الضيق الذي جمعنا على رائحة الخبز، ولعب الشدة، وأحلام المستقبل في آخر الليل.
في ليالي الشتاء البارد، كنا نستعد لموجة الثلج التي تحول الحرم الجامعي إلى لوحة بيضاء ساحرة. نتجمع في الغرف الصغيرة، نتشارك الخبز المخبأ تحت فرشة زميلنا الذي أصبح الآن نائبًا. كنا نكتشف أن هذه الطريقة تحافظ على الخبز طازجًا حتى ساعات متأخرة من الليل.
وكثيرًا كان من يستيقظ متأخرًا يجد نفسه يبحث عن جواربه التي سرقها زميل آخر! وكثيرًا ما كان الحرمان والرسوب نصيب من يسجل لمحاضرة الساعة الثامنة!
كانت الحياة الاقتصادية درسًا في التكيف؛ فساندويش الفلافل بعشرة قروش كان وجبة للكثير منا، بينما وجبة مطعم الفارابي الكاملة بـ 35 قرشًا كانت تعتبر رفاهية. وكانت الحياة بسيطة جدًا. أتذكر أول يوم نجمع فلوس للبروستد: دفعت المبلغ ولا أعرف ما هو البروستد!
كنا نتشارك في شراء هريسة السلطي لتدفئة أجسادنا في البرد القارس.
أتذكر المساءات الجميلة بعد صلاة المغرب، حين يتحول الحرم الجامعي إلى مكان للقاءات. كنا نرى المئات من الطلبة يتمشون بين كلية الآداب والاقتصاد، وأمام سكن الباعونية إلى البوابة الجنوبية، في مشهد يجمع بين الوقار والمرح، تتخلله أحياناً بعض الأهازيج والأغاني حول دوار الشعلة.
كان لطلبة عمان معاناة خاصة مع باصات "أرابيلا"؛ آخر باص يمثل رحلة حسابية دقيقة بين حضور الفعاليات والعودة إلى العاصمة.
لا أنسى حكاية الذي طلب من شقيقه اللقاء عند "مطعم القرية" الإنجليزية بعد أول يوم تسجيل، دون أن يخبره عن المكان! فظل شقيقه "السنفور" وغادر إلى قريته، ويبدو أنه لم ينتبه لكلمة "مطعم"، بينما بقي شقيقه يبحث عنه طوال اليوم قبل أن يعود إلى قريته محبطًا!
وأتذكر كثيرًا ما كنا نرحل من الشقق فجأة دون إخبار الزملاء الغائبين، فيجدون أنفسهم في المساء وقد خلت الشقة من سكانها، ولا وسيلة للاتصال بنا سوى الانتظار حتى نلتقي في الجامعة؛ فقد كنا طلبة القرى، نمثل البدو الرحل بسبب رخص أجور الشقق التي لا تبعد عن الجامعة سوى خمس دقائق.
ذكريات، رغم صعوبة بعضها، علمتنا معنى الصدق والإخاء، وصنعت منا رجالاً تحملوا المسؤولية. كانت الجامعات فعلاً تجمع أبناء الوطن، بينما اليوم طلبة الحي والقرية يذهبون إلى جامعة المحافظة ذاتها.
كانت جامعة اليرموك وطناً صغيراً، تشكلت فيه الهوية، وتأسست فيه الصداقات التي دامت حتى اليوم؛ منهم الطبيب، والعميد، والمحافظ، والنائب، والمدير، والوزير
عندما كان الخبز تحت الفرشة كنا أغنياء
د. نضال شديفات
تمر الأيام، وتعود الذاكرة إلى أيام الدراسة وفصل الشتاء بجامعة اليرموك في تسعينات القرن الماضي، حيث كانت الجامعة لوحة إنسانية رائعة تجمع أبناء الأردن من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب، ومن طلبة فلسطين والخليج إلى الجاليات الإسلامية.
كنا جيلاً تتقابل فيه الأحلام والتحديات، نعيش في سكن الطلبة الضيق الذي جمعنا على رائحة الخبز، ولعب الشدة، وأحلام المستقبل في آخر الليل.
في ليالي الشتاء البارد، كنا نستعد لموجة الثلج التي تحول الحرم الجامعي إلى لوحة بيضاء ساحرة. نتجمع في الغرف الصغيرة، نتشارك الخبز المخبأ تحت فرشة زميلنا الذي أصبح الآن نائبًا. كنا نكتشف أن هذه الطريقة تحافظ على الخبز طازجًا حتى ساعات متأخرة من الليل.
وكثيرًا كان من يستيقظ متأخرًا يجد نفسه يبحث عن جواربه التي سرقها زميل آخر! وكثيرًا ما كان الحرمان والرسوب نصيب من يسجل لمحاضرة الساعة الثامنة!
كانت الحياة الاقتصادية درسًا في التكيف؛ فساندويش الفلافل بعشرة قروش كان وجبة للكثير منا، بينما وجبة مطعم الفارابي الكاملة بـ 35 قرشًا كانت تعتبر رفاهية. وكانت الحياة بسيطة جدًا. أتذكر أول يوم نجمع فلوس للبروستد: دفعت المبلغ ولا أعرف ما هو البروستد!
كنا نتشارك في شراء هريسة السلطي لتدفئة أجسادنا في البرد القارس.
أتذكر المساءات الجميلة بعد صلاة المغرب، حين يتحول الحرم الجامعي إلى مكان للقاءات. كنا نرى المئات من الطلبة يتمشون بين كلية الآداب والاقتصاد، وأمام سكن الباعونية إلى البوابة الجنوبية، في مشهد يجمع بين الوقار والمرح، تتخلله أحياناً بعض الأهازيج والأغاني حول دوار الشعلة.
كان لطلبة عمان معاناة خاصة مع باصات "أرابيلا"؛ آخر باص يمثل رحلة حسابية دقيقة بين حضور الفعاليات والعودة إلى العاصمة.
لا أنسى حكاية الذي طلب من شقيقه اللقاء عند "مطعم القرية" الإنجليزية بعد أول يوم تسجيل، دون أن يخبره عن المكان! فظل شقيقه "السنفور" وغادر إلى قريته، ويبدو أنه لم ينتبه لكلمة "مطعم"، بينما بقي شقيقه يبحث عنه طوال اليوم قبل أن يعود إلى قريته محبطًا!
وأتذكر كثيرًا ما كنا نرحل من الشقق فجأة دون إخبار الزملاء الغائبين، فيجدون أنفسهم في المساء وقد خلت الشقة من سكانها، ولا وسيلة للاتصال بنا سوى الانتظار حتى نلتقي في الجامعة؛ فقد كنا طلبة القرى، نمثل البدو الرحل بسبب رخص أجور الشقق التي لا تبعد عن الجامعة سوى خمس دقائق.
ذكريات، رغم صعوبة بعضها، علمتنا معنى الصدق والإخاء، وصنعت منا رجالاً تحملوا المسؤولية. كانت الجامعات فعلاً تجمع أبناء الوطن، بينما اليوم طلبة الحي والقرية يذهبون إلى جامعة المحافظة ذاتها.
كانت جامعة اليرموك وطناً صغيراً، تشكلت فيه الهوية، وتأسست فيه الصداقات التي دامت حتى اليوم؛ منهم الطبيب، والعميد، والمحافظ، والنائب، والمدير، والوزير
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات
الرد على تعليق