هوية. بقلم : د.ميرفت سرحان


سلسلة في آخر الأسبوع خاطرة
هوية

كما تعلم أنك عندما ترغب في اجراء معاملة رسمية تُطلب منك الهوية .. ففيها تتفرد عن غيرك .. اسمك .. جنسك .. عمرك .. جنسيتك .. ديانتك .. ولك فيها رقم يميزك عن غيرك ..
ثم إن لك كذلك بصمة للعين لا يشترك معك فيها أحد في الكون .. واخرى على ابهامك يعاد منها تكوينك ..
ومع أنك شخص متفرد إلا أنك تقوم في ذات الوقت بأداء أدوار متعددة متنوعة .. ومختلفة متغيرة ..
فإذا ما نظرت في عيني والديك فأنت الأمل .. وإذا نظرت في عيني ولدك فأنت البطل .. ونظرة في عيني صديقك ومن يحبك تخبرك أنك لهما الملاذ .. ولمن تقدم له مساعدة فأنت بالنسبة له الخلاص ..
أما إذا ما نظرت إليك عينا من لا يحبك فأنت بغيض لئيم .. وتحوم حولك نظرات منافسك التي تتهمك بالخداع .. وكم أنت ذو شأن ضئيل ولا تستحق ما تمتلك إذا ما شاهدت صورتك في عيني من يحسدك ..
ولا يتوقف الأمر عند تعدد أدوارك .. فالتغيير ملازم لك كذلك في أفكارك وفي مشاعرك .. فقد يصبح قلبك يومًا لا يهوى من كان يحب .. وتغدو روحك لا تألف جليسها وونيسها .. ولم تعد ترغب في منافسة غيرك .. و .. و ..
وما زلت أنت أنت الشخص المتفرد صاحب الاسم والهوية وحامل الرقم والجنسية ..
قد تمثل لأحدهم القدوة .. وربما قربك من غيره بمثابة نعمة .. ومجرد وجودك في حياة آخر يمثل نقمة .. من يحبك له أسبابه ولو تجاوزت حد المنطق .. ومن يكرهك له مبرراته وإن كانت وهمية ..
وما زلت أنت أنت الشخص المتفرد صاحب الاسم والهوية وحامل الرقم والجنسية ..
ثم امضِ مع الزمان قدمًا لترى أنك وكل من حولك يتغير من جديد .. فيحين الوقت الذي يكبر فيه ابنك ليأخذ هو دور البطل .. ويتقدم بوالديك العمر ويتلاشى الأمل .. ثم قد يحبك ويتقرب إليك من كان يبغضك .. ويعاونك منافسك ..
فهذا شأن الدنيا كل شيء فيها يتغير وكل حال يتبدل .. فلا أحد على رأيه ثابت ولا أحد في بقائه مضمون ..
وتبقى أنت أنت الشخص المتفرد صاحب الاسم والهوية وحامل الرقم والجنسية ..
لذا لا تنتظر أن ترى انعكاس صورتك في عيني غيرك .. بل سارع واختر لك قلمًا يناسبك .. وارسم بريشته صورتك وحدد معالمها وتفاصيل ملامحها .. ثم احضر علبة ألوان واختر ما تفضله منها لتلون وتزركش بأسلوبك الخاص شكلها .. ولاتنسى أن تضع اطارا لها لا تخرج عنه حدود معالمها ..
عش حياتك كما تريد .. وكما تشاء وترغب .. وكما يحلو لك .. ولا بأس من أن تخطىء أو تصيب .. أو أن تتعثر أو تقف .. أو أن تبتعد أو تقترب .. أو أن تبغض أو تحب .. فهذه هويتك .. مارس دورك وأدِ مهامك بأسلوبك الخاص .. فلا توجد طريقة فُضلى أو أسلوب أمثل .. اعمل ما تراه صوابًا ولا تلتفت لرأي الآخرين .. سيخلق لك الأعذار من يحبك حتى لو كنت مخطئا .. ولن يتردد أن يغلطك من لا يحبك ولو وافق عملك عين الصواب ..
واذا ما أردت النصيحة الصادقة دعك من وهم الكمال .. فلن يكون يومًا من حظك ولا من حظ غيرك .. ولتجعل حدود هويتك بأن لا تؤذي نفسك أو غيرك .. أما اطارها فليكن ارضاء ربّك ..




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :