(دير بالك) بقلم: د. ميرفت سرحان


سلسلة في أخر الأسبوع خاطرة
(دير بالك)

عندما تدخل في مرحلة السنافر (والسنافر هو مصطلح أردني يطلق على طالب السنة الدراسية الأولى لمرحلة التعليم الجامعي لدرجة البكالوريوس)، تجد الأيدي الممتدة لمساعدتك تصل إليك من كافة الاتجاهات -ودون أن تطلب منها ذلك- فمن هذه الأيدي من أخذ على نفسه عهدًا بمساعدة الآخرين .. ومنهم من يريد أن يجعل منك أضحوكة ليتسلى بها؛ حيث أنك جاهل في النظام الجديد الذي التحقت به .. ومنهم ومن يريد أن ينقل إليك خلاصة تجربته وربما معاناته الممتدة من سنتين إلى أربع سنوات في المتوسط .. ومنهم من يريد أن يفرض عليك رأيه، فلا تُجهد فكرك ولا تقرر ولا تختار ولا حتى تحتار .. وعادةً ما تبدأ عبارات الجميع المقدمة لمساعدتك بمصطلح -أردني أيضًا بإمتياز- هو "دير بالك"، ويطلق هذا المصطلح للتنبيه والتحذير من خطر قد يلم بك سواء من شخص معين أو شيء ما ..
أذكر أنني عندما كنت في مرحلة السنافر .. وقبل أن يحين التسجيل للفصل الجديد، بدأت التنبيهات تصلني من كل حدب وصوب .. وكان أكثرها حول أستاذ معين .. فكانت التنبيهات بهذا الشكل (ديري بالك هذا ما حدا بنجح عنده .. دير بالك هذا وجهه ما بضحك للرغيف السخن .. ديري بالك هذا بحاسب عالنفَس .. وغيرها من عبارات التنبيه..)، وشاءت الأقدار والتحقت بمساق هذا الأستاذ .. وللأمانة فقد كان من الأساتذة الأفاضل علمًا وخُلقا، وكان المساق مفيدًا، ممتعًا ..
وقس على هذا الموقف كم المواقف التي يتم تنبيهكَ فيها - ومنذ نعومة أظافرك- لخصائص شخص ما قبل أن تلتقيه .. (دير بالك هذا لئيم، ديري بالك هي وحدة قوية، دير بالك هذا كذاب، ديري بالك هي نكدة .. وهكذا).. وما يحصل هو أن تتشكل لديك فكرة مسبقة عن الشخص، مخلوطة بمشاعر وانفعالات تتناسب مع هذه الفكرة والتي تكون سلبية في العادة .. وبالتالي ستتعامل معه بناءًا على الصورة التي شكلتها له من خلال ما قيل لك عنه ..
ويمضي عمرك وأنت (داير بالك) من العديد من الأشخاص .. ولا تتمكن أن تتعرف عليهم بشكل حيادي وتُكوّن رأيًا خاصا بك عنهم .. رأي ينبع من قناعاتك أنت .. قناعات تشكلت من خلال تواصلك أنت معهم وعلاقتك أنت بهم .. وليس من خلال آراء الآخرين ..
لذا تغفل عن أن حكمك على الاخرين يجب أن ينبثق من خلال خبراتك وتجاربك وتفاعلك معهم .. فكل منا يمكنه أن يرى جانبًا معينًا في الآخر لم يره غيره .. وهذا الجانب يتشكل من خلال طبيعة ونوعية العلاقة معه، وتعدد الأدوار التي تقوم بها .. فأن تكون في عملك صديقا لأحدهم يختلف عن كونك مجرد زميل لآخر .. وأن تكوني زوجة فهذه صورة مغايرة لكونك زوجة أخ، أو أخت زوج، أو زوجة عم، أو .. أو .. وهكذا ..
أن يتبرع أحدهم لغيره بكلمة "دير بالك" .. تشبه إلى حد بعيد أن يتبرع أحدهم للآخر بنظارات طول النظر الخاصة به، مع أن المتلقي لا يعاني من أي مشكلة في البصر .. فتتزغلل عيناه، ويقل تركيزه، ويضعف بصره .. وربما يخسر شيئًا من بصيرته ..




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :