الدرس يا عبدالله بقلم د. ميرفت سرحان


سلسلة في آخر الأسبوع خاطرة
الدرس يا عبدالله
رآه يجلس حزينًا داخل غرفته .. فسأله: ما بك يا عبدالله؟! فرد الإبن: تحدثت مع صديقي أحمد وأخبرني أن زميلنا خالد قد وجد عملا جديدًا يتقاضى فيه راتبًا أعلى مما نتقاضى نحن يا أبي .. وذكر لي أن معاذ خطب فتاة في غاية الجمال، وذات حسب ونسب .. الأب: حسنا يا بني .. لا لا ليس حسنا أبدًا يا أبي .. ولكن لماذا يا عبدالله .. انظر إلى حالي يا أبي؛ لقد تخرجت من الجامعة منذ خمس سنوات، وظللت أبحث عن عمل عامين كاملين .. وها أنا ذا بعد ثلاث سنوات من العمل لم أتمكن من ادخار فلس واحد؛ فالراتب قليل ولن أتمكن من البحث عن فتاة أحلامي وتكوين أسرة كغيري من الشباب في عمري يا أبي .. تعال اجلس بقربي يا عبدالله .. وأخرج الأب من صدره تنهيدة طويلة، ثم قال: هل تذكر أيام المدرسة يا بني؟ .. أجل يا أبي .. وهل تذكر الدرس الخامس لمادة التربية الإسلامية للصف العاشر يا بني؟! .. نعم، نعم .. لقد كان عنوانه "الرضا" يا أبي؛ أليس كذلك؟ بلى يا بني .. والآن بعد أن تذكرت دعني أشرح لك الدرس من جديد .. وسأنقل لك الصورة هذه المرة، وأوضح لك أمر الرضا من خلال ما تعلمته من دروس يا عبدالله .. فركز معي يا بني .. أنا أصغي جيدًا يا أبي .. تذكر معي كيف تعلمت رسم الدائرة يا بني؟! فأنت تغلق الدائرة عند نفس النقطة التي بدأت رسمها منها .. أليس كذلك؟ .. بلى يا أبي .. إذن غيّر يا عبدالله ترتيب دروسك الفائتة .. واجعل الرضا درسك الأول، ثم أعد نقله كما هو واجعله الدرس الأخير .. هذا شأن الرضا يا بني فهو في أول الأمر وآخره ..
ماذا عن اللغة العربية؟! .. كنا نأخذ في كل يوم حصة يا أبي .. أه أه، تمام .. هل تعلمت القاعدة التي تقول: أن العرب لا تبدأ إلا بمتحرك ولا تقف إلا عند ساكن يا بني؟! نعم يا أبي .. إذن قس عليها يا بني، فأنت في كل موقف أو حدث يمر بك تتملكك مجموعة من المشاعر والإنفعالات .. فإن كان الحدث جيدًا فأنت تشعر بالسعادة والفرح، ثم تحس بالرضا .. وكذلك الحال عندما تمر بأحداث عاصفة ومواقف مؤلمة يا بني .. فإنها قد تزلزل توازنك في البداية، وتبكي وتحزن وتتألم، وقد تتعب .. وما يلبث أن يتغلغل في نفسك شعور بالراحة والطمأنينة، ذلك هو سكون الرضا يا بني .. قل لي يا عبدالله: هل تعلمت العلوم في مدرستك؟! بالتأكيد يا أبي! إذن .. عرّف لي الذرة، تعد الذرة البنية الأساسية في المادة يا أبي، وهي أصغر جزء من العنصر يمكن أن يتميز به عن بقية العناصر .. أحسنت يا عبد الله وهكذا حال البشر يا بني، منهم من تتكون ذراته من الرضا فهي تحمل هدوءا، وسكينة، وطمأنينة .. ومنهم من هو ساخط، وآخر تتذبذب ذراته حسب شدة الموقف، ومتى وكيف وأين حدث .. ويعد الرضا هو البنية الأساسية لاستقبال أحداث الحياة يا بني ..
هذا درس صعب جدًا يا أبي! .. صحيح؛ ولكن فائدته عظيمة جدًا يا بني، فهي كنز ثمين مخبأ هناك .. في أعماق أعماق النفس، لا تصل له ولا تطاله يد فزع أو هلع ولا حتى خوف .. وكيف لي أن أتحلى بالرضا يا أبي؟! ألم تتعلموا المهارات في المدرسة يا بني؟! .. بلى يا أبي .. إذن أنت تعرف أن تعلم المهارات يحتاج لأمرين؛ أولا: معلومة .. ثم تدريب .. قس عليها الرضا يا بني .. فلتمتلك الرضا أنت بحاجة لمعلومة وهي: إن كل ما أصابك ويصيبك وسيصيبك لخير، وكل ما تعداك ويتعداك وسيتعداك لخير .. وكله يا بني خير .. وأما التدريب: فيتمثل في الصبر ؛ وتعود الصبر وممارسته في كل أمر .. فأنت قد تُحبط يا بني ولكنك لا تيأس، وقد تحزن إلا أنك لست حزينا .. وقد تتألم وتتوجع ولكنك لا تتوقف، بل تقف ولا تسخط ..
وخير ما قيل يا بني في وصف الرضا؛ قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "ما أبالي على أي حال أصبحت؛ على ما أحب أو على ما أكره؛ لأني لا أدري الخير فيما أحب أو فيما أكره" ..




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمانيات الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :